الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ إلَى أَنْ يُكْمِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَإِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِحَجٍّ أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَ عَرَفَةَ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَاَلَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْ أَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ، لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَبَثٍ وَلاَ تَلَذُّذٍ وَإِنْ جَاءَ الْمَاءُ الدَّافِقُ فَلاَ شَيْءَ وَمَا فَعَلَهُ الْحَاجُّ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا أَفْسَدَ رَجُلٌ الْحَجَّ مَضَى فِي حَجِّهِ كَمَا كَانَ يَمْضِي فِيهِ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهُ فَإِذَا كَانَ قَابِلُ حَجَّ وَأَهْدَى بَدَنَةً تُجْزِي عَنْهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَلاَلاً وَهُوَ حَرَامٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ بَدَنَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ هِيَ حَرَامًا وَكَانَ هُوَ حَلاَلاً كَانَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَيُحِجُّهَا مِنْ قَابِلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِبَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِي عَنْ كِلَيْهِمَا وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا كَانَ وَاحِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَهُ مَرَّةً وَلَوْ وَطِئَ نِسَاءً كَانَ وَاحِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَفْسَدَهُ مَرَّةً إلَّا أَنَّهُنَّ إنْ كُنَّ مُحْرِمَاتٍ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِنَّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهُنَّ كُلَّهُنَّ ثُمَّ يَنْحَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً لِأَنَّ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ إحْرَامِ الْأُخْرَى وَمَا تَلَذَّذَ بِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ دُونَ مَا وَصَفْت مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَشَاةٌ تُجْزِيهِ فِيهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُفْسِدُ بَدَنَةً ذَبَحَ بَقَرَةً وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً ذَبَحَ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا عَنْ هَذَا كُلِّهِ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ لَهُ دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ أَطْعَمَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَأَعْسَرَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَفْسِهِ نَصُّ خَبَرٍ صَنَعَ فِيهِ هَكَذَا وَمَا جَاءَ فِيهِ نَصُّ خَبَرٍ فَهُوَ عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ وَلاَ يَكُونُ الطَّعَامُ وَلاَ الْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ وَمِنًى وَيَكُونُ الصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي صِيَامِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَدُوٍّ وَنَحَرَ عليه الصلاة والسلام فِي الْحِلِّ، وَقَدْ قِيلَ: نَحَرَ فِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ؛ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} وَالْحَرَامُ كُلُّهُ مَحِلُّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَحَيْثُمَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، بِعَدُوٍّ حَائِلٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، وَقَدْ أَحْرَمَ، ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ فَيَحُجَّهَا، وَهَكَذَا السُّلْطَانُ إنْ حَبَسَهُ فِي سِجْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا الْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْبِسَاهُمَا وَلَيْسَ هَذَا لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، وَلاَ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ. وَلَوْ تَأَنَّى الَّذِي أُحْصِرَ رَجَاءَ أَنْ يُخَلَّى، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُخَلَّى حَلَّ؛ وَإِذَا حَلَّ ثُمَّ خُلِّيَ، فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ جَدَّدَ إحْرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنِّي إذَا أَذِنْت لَهُ أَنْ يَحِلَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ شَاةً يَذْبَحُهَا لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَدْلَ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَلَّ، رَجَوْت أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَتَى أَصَابَهُ أَذًى وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُخَلِّيَ؛ نَحَّاهُ عَنْهُ وَافْتَدَى فِي مَوْضِعِهِ كَمَا يَفْتَدِي الْمُحْصَرُ إذَا خُلِّيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِمَا سِوَاهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَرَمِ، ذَلِكَ لاَ يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ هَدْيُهُ الْحَرَمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَزَادَ أَحَدُهُمَا ذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيَّ أَنَّ الْحَصْرَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَحِلُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ حَصْرُ الْعَدُوِّ، فَمَنْ حُبِسَ بِخَطَأِ عَدَدٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلاَ يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى دَوَاءٍ، عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ أَوْ تَنْحِيَةُ أَذًى فَعَلَهُ وَافْتَدَى، وَيَفْتَدِي فِي الْحَرَمِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَيَبْعَثَ بِهَدْيٍ إلَى الْحَرَمِ: فَمَتَى أَطَاقَ الْمُضِيَّ مَضَى فَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَلاَ وَقْتَ عَلَيْهِ، وَيَحِلُّ وَيَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَأَدْرَكَ الْحَجَّ، فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَهَكَذَا مَنْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَرَفَةَ إلَّا مُغْمًى عَلَيْهِ، لَمْ يَعْقِلْ سَاعَةً وَلاَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ طِيفَ بِهِ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ فَلَمْ يَطُفْ، وَإِنْ أَحْرَمَ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ فَلَمْ يُحْرِمْ، وَإِذَا عَقَلَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً، أَوْ عَقَلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ سَاعَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ. ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ. إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْقِلْ حَتَّى تَجَاوَزَ الْوَقْتُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ، وَلاَ يُجْزِي عَنْهُ فِي الطَّوَافِ وَلاَ فِي الصَّلاَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً فِي هَذَا كُلِّهِ، لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ لاَ يُجْزِيهِ، قَلِيلُهُ مِنْ كَثِيرِهِ، وَعَرَفَةُ يُجْزِيهِ قَلِيلُهَا مِنْ كَثِيرِهَا، وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ سَلَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمَنْ سَلَكَ عَلَى السَّاحِلِ، أَهَلَّ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمَنْ سَلَكَ بَحْرًا أَوْ غَيْرَ السَّاحِلِ، أَهَلَّ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُهِلَّ مِنْ دُونِ ذَلِكَ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ جَاوَزَ رَجَعَ إلَى مِيقَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ أَهْرَاقَ دَمًا، وَهِيَ شَاةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ. قال: وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَنْ يَغْتَسِلاَ لِلْإِحْرَامِ وَيَأْخُذَا مِنْ شُعُورِهِمَا وَأَظْفَارِهِمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ وَتَوَضَّآ أَجْزَأَهُمَا. قال: وَأُحِبُّ أَنْ يُهِلَّا خَلْفَ الصَّلاَةِ، مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ وَأَهَلَّا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِمَا. قال: وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ ثِيَابًا كَذَلِكَ، وَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِمَا فِيمَا لَبِسَا، مَا لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ طِيبٍ، وَيَلْبَسُ الرَّجُلُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ، أَوْ ثَوْبًا نَظِيفًا يَطْرَحُهُ كَمَا يَطْرَحُ الرِّدَاءَ، إلَّا أَنْ لاَ يَجِدَ إزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ، وَأَنْ لاَ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ وَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. وَلاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا مَخِيطًا وَلاَ عِمَامَةً. إلَّا أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى كَتِفَيْهِ أَوْ ظَهْرِهِ طَرْحًا، وَلَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ وَلاَ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقَمِيصَ وَالْخِمَارَ، وَكُلَّ مَا كَانَتْ تَلْبَسُهُ غَيْرَ مُحْرِمَةٍ إلَّا ثَوْبًا فِيهِ طِيبٌ، وَلاَ تُخَمِّرُ وَجْهَهَا، وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا إلَّا أَنْ تُرِيدَ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا، فَتُجَافِي الْخِمَارَ، ثُمَّ تَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا وَيَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ فِي الْقُبَّةِ وَالْكَنِيسَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيُبَدِّلاَنِ ثِيَابَهُمَا الَّتِي أَحْرَمَا فِيهَا وَيَلْبَسَانِ غَيْرَهَا. قال: وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ غُسِّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَلَمْ يَقْرَبْ طِيبًا وَكُفِّنَ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَمْ يُقَمَّصْ وَخُمِّرَ وَجْهُهُ وَلَمْ يُخَمَّرْ رَأْسُهُ. قال: وَإِذَا مَاتَتْ الْمُحْرِمَةُ غُسِّلَتْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَقُمِّصَتْ وَأُزِّرَتْ وَشُدَّ رَأْسُهَا بِالْخِمَارِ وَكُشِفَ عَنْ وَجْهِهَا. قال: وَلاَ تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ قُفَّازَيْنِ وَلاَ بُرْقُعًا. قال: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ بِالْغَالِيَةِ وَالنُّضُوحِ وَالْمُجْمَرِ وَمَا تَبْقَى رَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ الطِّيبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ يَتَطَيَّبَانِ إذَا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. قال: وَإِذَا أَخَذَا مِنْ شُعُورِهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا أَهَلَّا فَإِنْ شَاءَا قَرَنَا وَإِنْ شَاءَا أَفْرَدَا الْحَجَّ وَإِنْ شَاءَا تَمَتَّعَا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إلَيَّ. قال: وَإِذَا تَمَتَّعَا أَوْ قَرَنَا أَجْزَأَهُمَا أَنْ يَذْبَحَا شَاةً فَإِنْ لَمْ يَجِدَاهَا صَامَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّا بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَصُومَاهَا لَمْ يَصُومَا أَيَّامَ مِنًى وَصَامَا ثَلاَثَةً بَعْدَ مِنًى بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِمَا وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْتَارُ لَهُمَا التَّمَتُّعَ، وَأَيُّهُمَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَا بِهِ كَفَتْهُمَا النِّيَّةُ وَإِنْ سَمَّيَاهُ فَلاَ بَأْسَ.
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَك فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَهُ مِنْ سَخَطِهِ وَالنَّارِ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَيَجْهَرُ بِهَا الرَّجُلُ صَوْتَهُ مَا لَمْ يَفْدَحْهُ وَتُخَافِتُ بِهَا الْمَرْأَةُ وَأَسْتَحِبُّهَا خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَمَعَ الْفَجْرِ وَمَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَالْهُبُوطِ وَالْإِصْعَادِ وَفِي كُلِّ حَالٍ أُحِبُّهَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ عَلَى وُضُوءٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَتُلَبِّي الْمَرْأَةُ حَائِضًا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ وَيُدَلِّك جَسَدَهُ مِنْ الْوَسَخِ وَلاَ يُدَلِّك رَأْسَهُ لِئَلَّا يَقْطَعَ شَعْرَهُ وَأُحِبُّ لَهُ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ لاَ يَخْرُجَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. قال: وَأُحِبُّ لَهُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا وَأَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيَضْطَبِعَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ رِدَاءَهُ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَبْرُزَ مَنْكِبُهُ ثُمَّ يُهَرْوِلَ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ وَيَمْشِيَ أَرْبَعَةً وَيَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ وَلاَ يَسْتَلِمَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ كَانَ الزِّحَامُ كَثِيرًا مَضَى وَكَبَّرَ وَلَمْ يَسْتَلِمْ. قال: وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ كَلاَمُهُ فِي الطَّوَافِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُمَا تَيَسَّرَ رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَمَا قَرَأَ بِهِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا صُعُودًا لاَ يَتَوَارَى عَنْهُ الْبَيْتُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاَثًا وَيَقُولُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَدْعُو فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَيُعِيدُ هَذَا الْكَلاَمَ بَيْنَ أَضْعَافِ كَلاَمِهِ حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَهْبِطَ عَنْ الصَّفَا، فَإِذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الَّذِي فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ عَدَا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يُظْهِرُ عَلَى الْمَرْوَةِ جَهْدَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ إنْ بَدَا لَهُ ثُمَّ يَصْنَعُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا وَمَا دَعَا بِهِ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ حَتَّى يُكْمِلَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعًا، يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ. وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَقَامَ حَلاَلاً فَإِذَا أَرَادَ التَّوَجُّهَ إلَى مِنًى تَوَجَّهَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَبْلَ الظُّهْرِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا لِلْوَدَاعِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُتَوَجِّهًا مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ غَدَا مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ حَيْثُ شَاءَ وَأَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقِفَ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَدْعُوَ وَيَجْتَهِدَ فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ وَسَارَ عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَيُصَلِّيَ بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ يَغْدُوَ فَيَقِفَ ثُمَّ يَدْعُوَ وَيَدْفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ إذَا أَسْفَرَ إسْفَارًا بَيِّنًا وَيَأْخُذَ حَصَى جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَيَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا بِهِنَّ، وَيَرْمِيَ مِنْ بَطْنِ الْمَسِيلِ. وَمِنْ حَيْثُ رَمَى أَجْزَأَهُ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ الْحَجُّ إلَّا النِّسَاءَ وَيُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ ثُمَّ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا فَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِحَالِهِ وَيَصْنَعَ مَا وَصَفْت غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ إنْ طَافَ قَبْلَ مِنًى وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاحِدًا بَعْدَ عَرَفَةَ تَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَلاَ يَعُودُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ قَبْلَ مِنًى فَعَلَيْهِ بَعْدَ عَرَفَةَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَعَلَ عَمَلَ الْحَجِّ كُلَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُهُ إلَّا الصَّلاَةَ وَالطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ لاَ يَفْعَلُهُ إلَّا طَاهِرًا فَإِذَا كَانَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَذَبَحَ شَاةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَلَمْ يَحْبِسْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً تَصَدَّقَ مِنْهَا وَأَكَلَ وَحَبَسَ وَيَذْبَحُ فِي أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا لَيْلاً وَنَهَارًا وَالنَّهَارُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّيْلِ وَيَرْمِي الْجِمَارَ أَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا وَهِيَ ثَلاَثٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَلاَ يَرْمِيهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأُحِبُّ إذَا رَمَى أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَتَقَدَّمُ عَنْ الْجَمْرَةِ الدُّنْيَا حَيْثُ يَرَى النَّاسَ يَقِفُونَ فَيَدْعُو وَيُطِيلُ قَدْرَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى وَلاَ يَفْعَلُهُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَإِنْ أَخْطَأَ فَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَرْمِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ نَجَسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مِنْ الْجِمَارِ فَإِنِّي أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيَرْمِيَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْأَنَامِلِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُطَهِّرَ الْحَصَى قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ وَإِنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي أَقَامَ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ يَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ تَتَابَعَ عَلَيْهِ رَمْيَانِ بِأَنْ يَنْسَى أَوْ يَغِيبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ عَادَ فَرَمَى رَمْيًا ثَانِيًا وَلاَ يَرْمِي بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ فَإِذَا صَدَرَ وَأَرَادَ الرَّحِيلَ عَنْ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا يُوَدِّعُ بِهِ الْبَيْتَ يَكُونُ آخِرَ كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ بَعَثَ بِشَاةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ إلَّا الْحَائِضُ فَإِنَّهَا تَصْدُرُ بِغَيْرِ وَدَاعٍ إذَا طَافَتْ الطَّوَافَ الَّذِي عَلَيْهَا وَأُحِبُّ لَهُ إذَا وَدَّعَ الْبَيْتَ أَنْ يَقِفَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك وَالْعَبْدَ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك حَمَلَتْنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى سَيَّرْتنِي فِي بِلاَدِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلاَ بِبَيْتِك وَلاَ رَاغِبٍ عَنْك وَلاَ عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي بِالْعَافِيَةِ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةِ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَحْيَيْتنِي وَمَا زَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْزَأَهُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: الضَّحَايَا سُنَّةٌ لاَ أُحِبُّ تَرْكَهَا وَمَنْ ضَحَّى فَأَقَلُّ مَا يُجْزِيهِ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلاَ يُجْزِي جَذَعٌ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهَا وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ مَا أَجْزَأَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُضَحُّوا إلَّا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ بِشَاةٍ أَوْ عَنْ كُلِّ سَبْعَةٍ بِجَزُورٍ وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ كَانَ الرَّجُلُ إذَا ضَحَّى فِي بَيْتِهِ كَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ ثَمَّ اسْمُ ضَحِيَّةٍ وَلَمْ تُعَطَّلْ وَكَانَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا. قَالَ وَوَقْتُ الضَّحَايَا انْصِرَافُ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلاَةِ فَإِذَا أَبْطَأَ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ الْأَضْحَى بِبَلَدٍ لاَ إمَامَ بِهِ، فَقَدْرُ مَا تَحِلُّ الصَّلاَةُ ثُمَّ يَقْضِي صَلاَتَهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إنْ أَبْطَأَ بِالصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الَّذِي أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ ضَحِيَّتِهِ بِضَائِنَةٍ جَذَعَةٍ فَهِيَ تُجْزِي، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِجَذَعَةٍ غَيْرِ الضَّأْنِ فَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تُجْزِيك وَلاَ تُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك» وَأَمَّا سِوَى مَا ذَكَرْت فَلاَ يُعَدُّ ضَحَايَا حَتَّى يَجْتَمِعَ السِّنُّ وَالْوَقْتُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامٍ مِنًى خَاصَّةً فَإِذَا مَضَتْ أَيَّامُ مِنًى فَلاَ ضَحِيَّةَ وَمَا ذُبِحَ يَوْمَئِذٍ فَهِيَ ذَبِيحَةٌ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالضَّحِيَّةِ فِي أَيَّامِ مِنًى وَزَعَمْنَا أَنَّهَا لاَ تَفُوتُ لِأَنَّا حَفِظْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَذِهِ أَيَّامُ نُسُكٍ». وَرَمَى فِيهَا كُلِّهَا الْجِمَارَ، وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ إذْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيَّامِ مِنًى نَهَوْا عَنْهَا وَنَهَوْا عَنْ الْعُمْرَةِ فِيهَا مَنْ كَانَ حَاجًّا لِأَنَّهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ حَجِّهِ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا ضَحَّى فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَذَلِكَ أَفْضَلُ الْأَضْحَى وَإِنْ كَانَ يُجْزِي فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَذِهِ أَيَّامُ نُسُكٍ». فَلَمَّا قَالَ الْمُسْلِمُونَ مَا وَصَفْنَا لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ كَالْيَوْمَيْنِ وَإِنَّمَا كَرِهْنَا أَنْ يُضَحِّيَ بِاللَّيْلِ عَلَى نَحْوِ مَا كَرِهْنَا مِنْ الْحِدَادِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ سَكَنٌ وَالنَّهَارَ يَنْتَشِرُ فِيهِ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ فَأَحْبَبْنَا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى لُحُومِ الضَّحَايَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْزَلُ عَنْ الْمُتَصَدِّقِ وَأَشْبَهَ أَنْ لاَ يَجِدَ الْمُتَصَدِّقُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلاَقِ بُدًّا مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ لِلْحَيَاءِ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الَّذِي يَلِي الضَّحَايَا يَلِيهَا بِالنَّهَارِ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَأَحْرَى أَنْ لاَ يُصِيبَ نَفْسَهُ بِأَذًى وَلاَ يُفْسِدَ مِنْ الضَّحِيَّةِ شَيْئًا وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ أَهْلِ مِنًى فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ ضَحَّى أَحَدٌ، فَلاَ ضَحِيَّةَ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَقُولُ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ نَحَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانُوا مُحْصَرِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} فَلَمَّا قَالَ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} شَاةٌ، فَأَجْزَأَتْ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ مَحْصُورِينَ وَمُتَمَتِّعِينَ وَعَنْ سَبْعَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ قِرَانٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّاةِ وَلَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَإِذَا مَلَكُوهَا بِغَيْرِ بَيْعٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَإِذَا مَلَكُوهَا بِثَمَنٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أَوْ غَيْرَهُمْ لِأَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانُوا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَشُعُوبٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلاَ تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَإِذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَهُمْ مُتَطَوِّعُونَ بِالْفَضْلِ كَمَا تُجْزِي الْجَزُورُ عَمَّنْ لَزِمَتْهُ شَاةٌ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِفَضْلِهَا عَنْ الشَّاةِ وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْبَدَنَةُ كَانَ عَدْلُهَا سَبْعَةً مِنْ الْغَنَمِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ، وَإِذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ فَهُوَ أَمِينٌ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوهَا وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا: الْإِيمَانُ وَالصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ ذَبْحٍ كَانَ وَاجِبًا عَلَى مُسْلِمٍ فَلاَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ ذَبْحَهُ النَّصْرَانِيَّ وَلاَ أُحَرِّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ ذَبَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ لَهُ لَحْمُهُ فَذَبِيحَتُهُ أَيْسَرُ وَكُلُّ ذَبْحٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَهُ النَّصْرَانِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الذَّابِحُ الْقِبْلَةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الضَّحَايَا إنَّمَا هُوَ دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَخَيْرُ الدِّمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ، وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلاَهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا كَانَ نَفِيسًا كُلَّمَا عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الضَّحَايَا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ دُونَ هَذَا ضَحِيَّةً. وَالضَّحِيَّةُ تَطَوُّعٌ سُنَّةٌ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ تَطَوُّعٍ فَهُوَ هَكَذَا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ إذَا كَانَ مِثْلَ الصَّيْدِ أَجْزَأَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ مِثْلُ مَا أُصِيبَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ بِحُجَجِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقْتُ الْأَضْحَى قَدْرُ مَا يَدْخُلُ الْإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ حِينَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ وَذَلِكَ إذَا بَرَزَتْ الشَّمْسُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَإِذَا مَضَى مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ هَذَا الْوَقْتِ حَلَّ الْأَضْحَى وَلَيْسَ الْوَقْتُ فِي عَمَلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الصَّلاَةَ فَيُقَدِّمُونَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ يُؤَخِّرُونَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا، أَرَأَيْت لَوْ صَلَّى رَجُلٌ تِلْكَ الصَّلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَخَطَبَ وَانْصَرَفَ مَعَ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى الضُّحَى الْأَعْلَى هَلْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ يَحْرُمُ أَنْ يُضَحِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ الْآخَرِ لاَ وَقْتَ فِي شَيْءٍ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَقْتُهُ، فَأَمَّا تَأَخُّرُ الْفِعْلِ وَتَقَدُّمُهُ عَنْ فِعْلِهِ فَلاَ وَقْتَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَهْلُ الْبَوَادِي وَأَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ لَهُمْ أَئِمَّةٌ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلاَ وَقْتَ إلَّا بِقَدْرِ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا صَلاَةُ مَنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا وَقْتٌ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ فَيُضَحِّي بِالْجَلْحَاءِ، وَإِذَا ضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ فَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ الْقَرْنِ مِنْ مَكْسُورَةِ الْقَرْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرْنُهَا يُدْمِي أَوْ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لاَ خَوْفَ عَلَيْهَا فِي دَمِ قَرْنِهَا فَتَكُونُ بِهِ مَرِيضَةً فَلاَ تُجْزِي مِنْ جِهَةِ الْمَرَضِ وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا هَذَا وَإِنْ كَانَ قَرْنُهَا مَكْسُورًا كَسْرًا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا يُدْمِي أَوْ لاَ يُدْمِي فَهُوَ يُجْزِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ شَاءَ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُضَحِّيَ فِي مُصَلَّاهُ وَمَنْ شَاءَ ضَحَّى فِي مَنْزِلِهِ وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فَقَدْ عَلِمَ مَنْ مَعَهُ أَنَّ الضَّحِيَّةَ قَدْ حَلَّتْ فَلَيْسُوا يَزْدَادُونَ عِلْمًا بِأَنْ يُضَحِّيَ وَلاَ يُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَحُّوا، أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يُضَحِّ عَلَى حَالٍ أَوْ أَخَّرَ الضَّحِيَّةَ إلَى بَعْضِ النَّهَارِ أَوْ إلَى الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ تُجْزِي الْمَرِيضَةُ أَيَّ مَرَضٍ مَا كَانَ بَيِّنًا فِي الضَّحِيَّةِ وَإِذَا أَوْجَبَ الرَّجُلُ الشَّاةَ ضَحِيَّةً وَإِيجَابُهَا أَنْ يَقُولَ هَذِهِ ضَحِيَّةٌ لَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إيجَابًا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِخَيْرٍ وَلاَ شَرٍّ مِنْهَا وَلَوْ أَبْدَلَهَا فَذَبَحَ الَّتِي أَبْدَلَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَذْبَحُ الْأُولَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهَا وَمَتَى لَمْ يُوجِبْهَا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا أَبْدَلَهَا أَوْ لَمْ يُبَدِّلْهَا كَمَا يَشْتَرِي الْعَبْدَ يَنْوِي أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْمَالَ يَنْوِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ هَذَا وَلاَ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا وَلَوْ فَعَلَ كَانَ خَيْرًا لَهُ. قال: وَلاَ تُجْزِي الْجَرْبَاءُ وَالْجَرَبُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مَرَضٌ بَيِّنٌ مُفْسِدٌ لِلَّحْمِ وَنَاقِصٌ لِلثَّمَنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ قَدْ أَوْجَبَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ ثَمَنِهَا أُضْحِيَّةً فَيُضَحِّي بِهَا فَإِنْ بَلَغَ ثَمَنُهَا أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وَزَادَ شَيْئًا لاَ يَبْلُغُ ثَانِيَةً ضَحَّى بِالضَّحِيَّةِ وَأُسْلِكَ الْفَضْلُ مَسْلَكَ الضَّحِيَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ضَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يُوفِيَ ضَحِيَّةً، لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكُ الضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ ضَحِيَّةٌ مِثْلُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الضَّحَايَا سُنَّةٌ لاَ يَجِبُ تَرْكُهَا فَمَنْ ضَحَّى فَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ جَذَعُ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيُّ الْمَعْزِ أَوْ ثَنِيُّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ وَالْإِبِلُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْبَقَرُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا مِنْ الْغَنَمِ وَكُلُّ مَا غَلاَ مِنْ الْغَنَمِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا رَخُصَ وَكُلُّ مَا طَابَ لَحْمُهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا يَخْبُثُ لَحْمُهُ. قال: وَالضَّأْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْعِفْرُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودِ وَسَوَاءٌ فِي الضَّحَايَا أَهْلُ مِنًى وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ، فَإِذَا كَانَتْ الضَّحَايَا إنَّمَا هُوَ دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَخَيْرُ الدِّمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «أَغْلاَهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا». وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ نَفِيسًا كُلَّمَا عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً شَاةً وَكَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِيهِمْ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ أَدْنَى الدَّمِ فَأَعْلاَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ مَا أَجْزَأَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُضَحُّوا إلَّا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ بِشَاةٍ أَوْ عَنْ كُلِّ سَبْعَةٍ بِجَزُورٍ وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ كَانَ الرَّجُلُ إذَا ضَحَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ ضَحِيَّةٍ عَلَيْهِ وَلَمْ تُعَطَّلْ، وَكَانَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا، وَلاَ يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ امْرَأَةٍ وَلاَ وَلَدٍ وَلاَ نَفْسِهِ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا لاَ يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا لِيَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ أَرْسَلَ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ اشْتَرُوا بِهِمَا لَحْمًا ثُمَّ قَالَ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ كَانَ قَلَّمَا يَمُرُّ بِهِ يَوْمٌ إلَّا نَحَرَ فِيهِ أَوْ ذَبَحَ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلاَ يَعْدُو الْقَوْلُ فِي الضَّحَايَا هَذَا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً، فَهِيَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لاَ تُجْزِي غَيْرُ شَاةٍ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَأَمَّا مَا سِوَى هَذَا مِنْ الْقَوْلِ فَلاَ يَجُوزُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا أَوْجَبَ الضَّحِيَّةَ فَوَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا كَمَا يُوجِبُ الْبَدَنَةَ فَتُنْتِجُ فَيَذْبَحُ وَلَدَهَا مَعَهَا إذَا لَمْ يُوجِبْهَا فَقَدْ كَانَ لَهُ فِيهَا إمْسَاكُهَا، وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَإِنْ شَاءَ ذَبَحَهُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ الضَّحِيَّةَ بِمِثْلِهَا وَلاَ دُونِهَا مِمَّا يُجْزِي فَقَدْ جَعَلَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاجِبَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِثْلَ مَا قُلْنَا وَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ وَلاَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ فِي كُلِّ مَا أَوْجَبَ وَلاَ تَعْدُو الضَّحِيَّةُ إذَا اُشْتُرِيَتْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ وَاجِبِ الْهَدْيِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَدَّلَ بِأَلْفٍ مِثْلِهَا أَوْ حُكْمُهَا حُكْمَ مَالِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ ضَحِيَّةً وَإِنْ كَانَ دُونَهَا وَيَحْبِسُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَوْجَبَ الضَّحِيَّةَ لَمْ يَجُزَّ صُوفَهَا وَمَا لَمْ يُوجِبْهَا فَلَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا، وَالضَّحِيَّةُ نُسُكٌ مِنْ النُّسُكِ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الضَّحِيَّةِ جِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَأَكْرَهُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُبَادَلَةُ بِهِ بَيْعٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمِنْ أَيْنَ كَرِهْت أَنْ تُبَاعَ وَأَنْتَ لاَ تَكْرَهُ أَنْ تُؤْكَلَ وَتُدَّخَرَ؟ قِيلَ لَهُ لَمَّا كَانَ نُسُكًا فَكَانَ اللَّهُ حَكَمَ فِي الْبُدْنِ الَّتِي هِيَ نُسُكٌ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْلِ الضَّحَايَا وَالْإِطْعَامِ كَانَ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْذُونًا فِيهِ فَكَانَ أَصْلُ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعْقُولاً أَنْ لاَ يَعُودَ إلَى مَالِكِهِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُهُ وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ فَإِنْ قَالَ: أَفَتَجِدُ مَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ نَعَمْ الْجَيْشُ يَدْخُلُونَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ الْغُلُولُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ وَيَكُونُ مَا أَصَابُوا مِنْ الْعَدُوِّ بَيْنَهُمْ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَصَابُوا فِي الْمَأْكُولِ لِمَنْ أَكَلَهُ فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ الْغُلُولِ إذَا كَانَ مَأْكُولاً وَزَعَمْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَبِيعًا إنَّهُ غُلُولٌ وَإِنَّ عَلَى بَائِعِهِ رَدَّ ثَمَنِهِ وَلَمْ أَعْلَمْ بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذَا اخْتِلاَفًا أَنَّ مَنْ بَاعَ مِنْ ضَحِيَّتِهِ جِلْدًا أَوْ غَيْرَهُ أَعَادَ ثَمَنَهُ أَوْ قِيمَةَ مَا بَاعَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِيهِ الضَّحِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا الصَّدَقَةُ بِلَحْمِ الضَّحِيَّةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَبَنُ الضَّحِيَّةِ كَلَبَنِ الْبَدَنَةِ إذَا أُوجِبَتْ الضَّحِيَّةُ لاَ يَشْرَبُ مِنْهُ صَاحِبُهُ إلَّا الْفَضْلَ عَنْ وَلَدِهَا وَمَا لاَ يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، فَإِذَا لَمْ يُوجِبْ صَنَعَ مَا شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ تُجْزِي الْعَوْرَاءُ وَأَقَلُّ الْبَيَاضِ فِي السَّوَادِ عَلَى النَّاظِرِ كَانَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ يَقَعُ بِهِ اسْمُ الْعَوَرِ الْبَيِّنِ وَلاَ تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ وَأَقَلُّ الْعَرَجِ بَيِّنٌ أَنَّهُ عَرَجٌ إذَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْخِلْقَةِ أَوْ عَرَجٍ خَارِجٍ ثَابِتٍ فَذَلِكَ الْعَرَجُ الْبَيِّنُ. قَالَ وَمَنْ اشْتَرَى ضَحِيَّةً فَأَوْجَبَهَا أَوْ أَهْدَى هَدْيًا مَا كَانَ فَأَوْجَبَهُ وَهُوَ تَامٌّ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ نَقْصٌ وَبَلَغَ الْمَنْسَكَ أَجْزَأَ عَنْهُ إنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُهُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ فَإِذَا كَانَ تَامًّا وَبَلَغَ مَا جَعَلَهُ لَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ بِتَمَامِهِ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَبُلُوغِهِ أَمَدَهُ وَمَا اشْتَرَى مِنْ هَذَا فَلَمْ يُوجِبْهُ إلَّا بَعْدَ مَا نَقَصَ فَكَانَ لاَ يُجْزِئُ ثُمَّ أَوْجَبَهُ ذَبَحَهُ وَلَمْ يُجْزِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُجْزِئٍ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لاَزِمًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِتَامٍّ وَمَا كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ فَأَوْجَبَهَا أَوْ لَمْ يُوجِبْهَا فَمَاتَتْ أَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَلاَ بَدَلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ بَدَلٌ إنَّمَا تَكُونُ الْأَبْدَالُ فِي الْوَاجِبِ وَلَكِنَّهُ إنْ وَجَدَهَا بَعْدَمَا أَوْجَبَهَا ذَبَحَهَا وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي الْبُدْنِ مِنْ الْهَدْيِ تَضِلُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهَا فَوَجَدَهَا، لَمْ يَكُنْ عِلَّةُ ذَبْحِهَا وَلَوْ ذَبَحَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الضَّحِيَّةَ فَلَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى أَصَابَهَا مَا لاَ تَجُوزُ مَعَهُ بِحَضْرَةِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ ضَحِيَّةٌ وَلَوْ أَوْجَبَهَا سَالِمَةً ثُمَّ أَصَابَهَا ذَلِكَ وَبَلَغَتْ أَيَّامَ الْأَضْحَى ضَحَّى بِهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الضَّحِيَّةِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا فِيهَا وَلَيْسَ فِيمَا أَصَابَهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا شَيْءٌ يُسْأَلُ عَنْهُ أَحَدٌ إنَّمَا هِيَ حِينَئِذٍ ذَكِيَّةٌ مَذْبُوحَةٌ لاَ عَيْنَ لَهَا قَائِمَةً إلَّا وَقَدْ فَارَقَهَا الرُّوحُ لاَ يَضُرُّهَا مَا كَسَرَهَا وَلاَ مَا أَصَابَهَا وَإِلَى الْكَسْرِ تَصِيرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا زَعَمْنَا أَنَّ الْعَرْجَاءَ وَالْعَوْرَاءَ لاَ تَجُوزُ فِي الضَّحِيَّةِ كَانَتْ إذَا كَانَتْ عَوْرَاءَ أَوْ لاَ يَدَ لَهَا وَلاَ رِجْلَ دَاخِلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ وَإِذَا خُلِقَتْ لَهَا أُذُنٌ مَا كَانَتْ أَجْزَأَتْ وَإِنْ خُلِقَتْ لاَ أُذُنَ لَهَا لَمْ تُجْزِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جُدِعَتْ لَمْ تُجْزِ لِأَنَّ هَذَا نَقْصٌ مِنْ الْمَأْكُولِ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا أَوْجَبَ الرَّجُلُ ضَحِيَّةً أَوْ هَدْيًا فَذُبِحَا عَنْهُ فِي وَقْتِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَدْرَكَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُسْتَهْلَكَ لَحْمُهَا أَجْزَأَتَا مَعًا عَنْهُ لِأَنَّهُمَا ذَكَاتَانِ وَمَذْبُوحَتَانِ فِي وَقْتٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي تَعَدَّى بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا قَائِمَتَيْنِ وَمَذْبُوحَتَيْنِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي سَبِيلِ الْهَدْيِ وَفِي سَبِيلِ الضَّحِيَّةِ، لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ ذَبَحَ لَهُ شَاةً وَقَدْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي وَقْتِهَا وَأَدْرَكَهَا فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ ضَحِيَّةً لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قَائِمَةً وَمَذْبُوحَةً وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَ لَحْمَهَا حَبَسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهَا فَإِنْ فَاتَ لَحْمُهَا فِي هَذَا كُلِّهِ يَرْجِعُ عَلَى الذَّابِحِ بِقِيمَتِهَا حَيَّةً وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَاعَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَاجِبِ مِنْهَا ضَحِيَّةً أَوْ هَدْيًا وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ثَمَنِهَا زَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يُوفِيَ أَقَلَّ مَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ زَادَ جَعَلَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ الضَّحِيَّةِ وَالْهَدْيِ حَتَّى لاَ يَكُونَ حَبْسٌ مِمَّا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَالْجَوَابُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْجَوَابِ فِي حَاجَّيْنِ لَوْ نَحَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ صَاحِبِهِ وَمُضَحِّيَيْنِ لَوْ ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَهُ لِصَاحِبِهِ، مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا ذُبِحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا، وَأَجْزَأَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيُهُ أَوْ ضَحِيَّتُهُ إذَا لَمْ تَفُتْ وَإِنْ اسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ صَاحِبِهِ أَوْ ضَحِيَّتَهُ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ حَيًّا وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَاجُّ الْمَكِّيُّ وَالْمُنْتَوِي وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يَجِدُ ضَحِيَّةً سَوَاءٌ كُلُّهُمْ، لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ إنْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَانَ الْحَاجُّ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً لِأَنَّهَا نُسُكٌ وَعَلَيْهِ نُسُكٌ وَغَيْرُهُ لاَ نُسُكَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوجَبَ عَلَى النَّاسِ إلَّا بِحَجَّةٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ إلَّا بِمِثْلِهِمْ وَلَسْت أُحِبُّ لِعَبْدٍ وَلاَ أُجِيزُ لَهُ وَلاَ مُدَبَّرٍ وَلاَ مُكَاتَبٍ وَلاَ أُمِّ وَلَدٍ أَنْ يُضَحُّوا لِأَنَّهُمْ لاَ أَمْوَالَ لَهُمْ وَإِنَّمَا أَمْوَالُهُمْ لِمَالِكِيهِمْ وَكَذَلِكَ لاَ أُحِبُّ لِلْمُكَاتَبِ وَلاَ أُجِيزُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَى مَالِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ فَيَرْجِعُ مَالُهُ إلَى مَوْلاَهُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتِمَّ عَلَى مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُضَحِّي عَمَّا فِي الْبَطْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ النُّسُكِ وَإِنْ ضَحَّى فِي اللَّيْلِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ فِي اللَّيْلِ وَيَنْحَرَ الْهَدْيَ لِمَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا خَوْفُ الْخَطَأِ فِي الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَنْ يُقَارِبُهُ أَوْ خَطَأِ الْمَنْحَرِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَسَاكِينَ لاَ يَحْضُرُونَهُ فِي اللَّيْلِ حُضُورَهُمْ إيَّاهُ فِي النَّهَارِ فَأَمَّا لِغَيْرِ هَذَا فَلاَ أَكْرَهُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ أَيَّامَ مِنًى أَيَّامُ أَضْحَى كُلُّهَا؟ قِيلَ كَمَا كَانَتْ الْحُجَّةُ بِأَنَّ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمَا ضَحِيَّةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: نَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحَّى فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَمَّا لَمْ يَحْظُرْ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُضَحُّوا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ نَجِدْ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مُفَارِقًا لِلْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَنْسُكُ فِيهِ وَيَرْمِي كَمَا يَنْسُكُ وَيَرْمِي فِيهِمَا فَإِنْ قَالَ فَهَلْ فِي هَذَا مِنْ خَبَرٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ دَلاَلَةُ سُنَّةٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ الَّذِي إذَا أَشْلَى اسْتَشْلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَانَ مُعَلَّمًا يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مَا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا أَكَلَ فَقَدْ قِيلَ يُخْرِجُهُ هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ لِأَنَّ الْكَلْبَ أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ صَاحِبُ الْكَلْبِ أَكَلَ مِنْ صَيْدِ غَيْرِ مُعَلَّمٍ وَيَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا صَارَ قَتْلُهُ ذَكَاةً فَأَكَلَ مَا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ مَا كَانَ ذَكِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ مَذْبُوحًا فَأَكَلَ مِنْهُ كَلْبٌ لَمْ يَحْرُمْ وَطَرَحَ مَا حَوْلَ مَا أَكَلَ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا تَرَكْنَا هَذَا لِلْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «فَإِذَا أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِشَيْءٍ وَإِذَا قُلْنَا هَذَا فِي الْمُعَلَّمِ مِنْ الْكِلاَبِ فَأَخَذَ الْمُعَلَّمُ فَحَبَسَ بِلاَ أَكْلٍ فَذَلِكَ يَحِلُّ وَإِنْ قَتَلَهُ يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ فَإِنْ حَبَسَ وَأَكَلَ فَذَلِكَ مَوْضِعُ تَرْكٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا فَصَارَ كَهُوَ عَلَى الِابْتِدَاءِ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ كَمَا كَانَ لاَ يَحِلُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهَذَا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ وَيَصِحُّ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ مُتَأَوِّلاً لَوْ ذَهَبَ فَقَالَ إنَّ الْكَلْبَ إذَا كَانَ نَجِسًا فَأَكَلَ مِنْ شَيْءٍ رَطْبٍ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِي بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ نَجَّسَهُ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى يَكُونَ آكِلاً وَالْحَيَاةُ فِيهِ وَالدَّمُ بِالرُّوحِ يَدُورُ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلاَ يَدُورُ فِيهِ دَمٌ وَإِنَّمَا يُنَجِّسُ حِينَئِذٍ مَوْضِعَ مَا أَكَلَ مِنْهُ وَمَا قَارَبَهُ قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وَلَوْ نَجَّسَهُ كُلَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ وَيَعْصِرَهُ كَمَا يَغْسِلُ الثَّوْبَ وَيَعْصِرُ فَيَطْهُرُ وَيَغْسِلُ الْجِلْدَ فَيَطْهُرُ فَتَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ وَكَذَلِكَ تَذْهَبُ نَجَاسَةُ اللَّحْمِ فَيَأْكُلُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَعْلِيمُ الْفَهْدِ وَكُلِّ دَابَّةٍ عُلِّمَتْ كَتَعْلِيمِ الْكَلْبِ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْكَلْبَ أَنْجَسُهَا وَلاَ نَجَاسَةَ فِي حَيٍّ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَتَعْلِيمُ الطَّائِرِ كُلُّهُ وَاحِدٌ الْبَازِي وَالصَّقْرُ وَالشَّاهِينِ وَالْعُقَابُ وَغَيْرُهَا وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُسْتَشْلَى فَيَطِيرَ وَيَأْخُذَ فَيَحْبِسَ فَإِذَا فَعَلْت هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهِيَ مُعَلَّمَةٌ يُؤْكَلُ مَا أَخَذَتْ وَقَتَلَتْ فَإِنْ أَكَلَتْ فَالْقِيَاسُ فِيهَا كَهُوَ فِي الْكَلْبِ، زَعَمَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْ وَإِنْ أَكَلَتْ وَزَعَمَ إنَّهُ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ لاَ يُؤْكَلُ وَزَعَمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلْبَ يَضْرِبُ وَالْبَازِي لاَ يَضْرِبُ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّهَا تَفْتَرِقُ فِي هَذَا فَكَيْفَ زَعَمَ أَنَّ الْبَازِيَ لاَ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ حَتَّى يَكُونَ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُسْتَشْلَى فَيَطِيرَ وَأَنَّهُ لَوْ طَارَ مِنْ نَفْسِهِ فَقَتَلَ لَمْ يُؤْكَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا؟ أَفَرَأَيْت إذَا اسْتَجَازَ فِي مُعَلَّمَيْنِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْهِ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ أَوْ طَائِرَهُ الْمُعَلَّمَيْنِ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ نَاسِيًا فَقَتَلَ أَكَلَ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَ قَتْلُهُمَا كَالذَّكَاةِ فَهُوَ لَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبِيحَةِ أَكَلَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ نَسِيَ وَكَذَلِكَ مَا أَصَبْت بِشَيْءٍ مِنْ سِلاَحِك الَّذِي يَمُورُ فِي الصَّيْدِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ كَلْبًا وَاحِدًا أَوْ كَلْبَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ طَائِرَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَأَصَابَا الصَّيْدَ ثُمَّ لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ فَلاَ يُؤْكَلُ فَهُوَ كَذَبِيحَةِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا دَخَلَ فِي الذَّبِيحَةِ مَا لاَ يَحِلُّ لَمْ تَحِلَّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَانَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ وَسَوَاءٌ أَنَفَذَ السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ مَقَاتِلَهُ أَوْ لَمْ يَنْفُذْهَا إذَا أَصَابَهُ عَلَى قَتْلِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لاَ يَحِلُّ لِأَنَّ مَقَاتِلَهُ قَدْ تُنْفَذُ فَيَحْيَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ التَّامُّ بِالْمَذْبُوحِ مِمَّا لاَ يَعِيشُ بَعْدَهُ طُرْفَةَ عَيْنٍ وَمِمَّا تَكُونُ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ كَحُشَاشَةِ رُوحِ الْحَيَاةِ الَّتِي لَمْ يَتَتَامَّ خُرُوجُهُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى هَذَا فَلاَ يَضُرُّهُ مَا أَصَابَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْمُعَلَّمَاتِ فَتَوَارَى عَنْهُ وَوَجَدَهُ قَتِيلاً فَالْخَبَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَأْكُلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: إنِّي أَرْمِي فَأُصْمِيَ وَأُنْمِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا أَصْمَيْتَ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْت مَا غَابَ عَنْك مَقْتَلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ وَهُوَ يَرَاهُ مِثْلَ مَا وَصَفْت مِنْ الذَّبْحِ ثُمَّ تَرَدَّى فَتَوَارَى أَكَلَهُ فَأَمَّا إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ فَقَدْ يَعِيشُ بَعْدَمَا يَنْفُذُ بَعْضَ الْمَقَاتِلِ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدِي إلَّا هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاءَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَإِنِّي أَتَوَهَّمُهُ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَقُومُ مَعَهُ رَأْيٌ وَلاَ قِيَاسٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَطَعَ الْعُذْرَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَصَابَتْ الرَّمْيَةُ الصَّيْدَ وَالرَّامِي لاَ يَرَاهُ فَذَبَحَتْهُ أَوْ بَلَغَتْ بِهِ مَا شَاءَتْ لَمْ يَأْكُلْهُ وَوَجَدَ بِهِ أَثَرًا مِنْ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُهُ مَا لاَ أَثَرَ لَهُ فِيهِ وَإِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلاَحُهُ مِنْهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ مِنْ أَنْ لاَ يَبْقَى فِيهِ حَيَاةٌ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ فَلاَ يَأْكُلُهُ وَإِمْكَانُهُ أَنْ يَكُونَ مَا يُذَكِّي بِهِ حَاضِرًا وَيَأْتِي عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ يَذْبَحَهُ فَلاَ يَذْبَحُهُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ ذَكَاتَانِ إحْدَاهُمَا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لاَ يُذَكَّى إلَّا بِالنَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَالْأُخْرَى مَا لَمْ يُقْدَرُ عَلَيْهِ فَيُذَكَّى بِمَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ ذَكَاتَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلاَ يُجْزِي فِيهِ إلَّا الذَّبْحُ أَوْ النَّحْرُ فَإِنْ أَغْفَلَ السِّكِّينَ وَقَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ فَرَجَعَ لَهُ فَمَاتَ لَمْ يَأْكُلْهُ إنَّمَا يَأْكُلُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ مِنْ حِينِ يَصِيدُهُ عَلَى ذَكَاتِهِ وَلَوْ أَجَزْنَا لَهُ أَكْلَهُ بِالرُّجُوعِ بِلاَ تَذْكِيَةٍ أَجَزْنَا لَهُ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ يَوْمًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِدَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ وَإِذَا أَدْرَكْته وَمَعَك مَا تُذَكِّيهِ بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْك مَذْبَحُهُ وَلَمْ تُفَرِّطْ فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَمْكَنَك مَذْبَحُهُ فَلَمْ تُفَرِّطْ وَأَدْنَيْت السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهَا عَلَى حَلْقِهِ فَكُلْهُ وَإِنْ وَضَعْتهَا عَلَى حَلْقِهِ وَلَمْ تُمِرَّهَا حَتَّى مَاتَ وَلَمْ تَتَوَانَ فَكُلْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُك فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ذَكَاتُهُ وَإِنْ أَمْرَرْتهَا فَكَلَّتْ وَمَاتَ فَلاَ تَأْكُلْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ مَاتَ خَنْقًا وَالذَّكَاةُ الَّتِي إذَا بَلَغَهَا الذَّابِحُ أَوْ الرَّامِي أَوْ الْمُعلَّمُ أَجْزَأَتْ مِنْ الذَّبْحِ أَنْ يَجْتَمِعَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لاَ شَيْءَ دُونَ ذَلِكَ وَتَمَامُهَا الْوَدَجَيْنِ وَلَوْ قُطِعَ الْوَدَجَانِ وَلَمْ يُقْطَعْ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ لَمْ تَكُنْ ذَكَاةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَدَجَيْنِ قَدْ يُقْطَعَانِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَيَحْيَا وَأَمَّا الذَّكَاةُ فِيمَا لاَ حَيَاةَ فِيهِ إذَا قُطِعَ فَهُوَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ مِنْهُمَا فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِمَا حَتَّى اُسْتُؤْصِلاَ فَلاَ يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إبَانَةِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. وَإِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلاَ يَرَى صَيْدًا وَنَوَى فَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ تَعْمَلُ النِّيَّةُ إلَّا مَعَ عَيْنٍ تَرَاهُ وَهَكَذَا لَوْ رَمَى صَيْدًا مُجْتَمِعًا وَنَوَى أَنَّهُ أَصَابَ أَكَلَ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ إذَا رَمَى إلَّا مَا نَوَى بِعَيْنِهِ كَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى مِائَةِ طَيْرٍ أَوْ كَلْبًا عَلَى مِائَةِ ظَبْيٍ لَمْ يَقْتُلْهَا كُلَّهَا وَإِذَا نَوَاهَا كُلَّهَا فَأَصَابَ وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ الْمُصَابُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ بِعَيْنِهِ وَكَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ لاَ يَأْكُلُ الصَّيْدَ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ بِعَيْنِهِ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنَّهُ لاَ يَقْتُلُهَا كُلَّهَا فَإِذَا أَحَاطَ الْعِلْمُ بِهَذَا فَاَلَّذِي نَوَى بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ مَا أَصَابَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ حَجَرٌ أَوْ بُنْدُقَةٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُ سِلاَحٍ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَيَكُونُ مَأْكُولاً بِالذَّكَاةِ كَمَا تُؤْكَلُ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ إذَا ذُكِّيَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ كِلاَبُ الصَّيْدِ فِي غَيْرِ أَيْدِيهِمْ إلَّا أَنَّهَا تَتْبَعُهُمْ وَإِذَا اسْتَشْلَى الرَّجُلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ أَوْ بَعِيدًا فَانْزَجَرَ وَاسْتَشْلَى بِاسْتِشْلاَئِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أَكَلَ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَكَانَ كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ مِنْ يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْكَلْبُ قَدْ تَوَجَّهَ لِلصَّيْدِ قَبْلَ اسْتِشْلاَءِ صَاحِبِهِ فَمَضَى فِي سُنَنِهِ فَأَخَذَهُ فَلاَ يَأْكُلْهُ إلَّا بِإِدْرَاكِ ذَكَاتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَزْجُرُهُ فَيَقِفَ أَوْ يَنْعَرِجَ ثُمَّ يَسْتَشْلِيَهُ فَيَتَحَرَّكَ بِاسْتِشْلاَئِهِ الْآخَرِ فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ وَاسْتَشْلَى بِاسْتِشْلاَءٍ مُسْتَأْنَفٍ فَيَأْكُلُ مَا أَصَابَ كَمَا يَأْكُلُهُ لَوْ أَرْسَلَهُ فَيَقِفُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي سُنَنِهِ فَاسْتَشْلاَهُ فَلَمْ يَحْدُثْ عَرْجَةٌ وَلاَ وُقُوفًا وَازْدَادَ فِي سُنَنِهِ اسْتِشْلاَءً فَلاَ يَأْكُلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اسْتِشْلاَءُ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِ صَاحِبِهِ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَصَيْدُ الصَّبِيِّ أَسْهَلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِ فَلاَ بَأْسَ بِصَيْدِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْكَلاَمُ وَالذَّكَاةُ بِغَيْرِهِ فَلاَ بَأْسَ بِذَبِيحَتِهِ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَأَتَى مِنْهُ عَلَى مَا يَكُونُ ذَكَاةً وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَكُلُّ مَنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَيَهُودِيٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا رَمَى لِرَجُلٍ الصَّيْدَ أَوْ طَعَنَهُ أَوْ ضَرَبَهُ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ كَلْبَهُ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أَوْ قَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ بَطْنَهُ وَصُلْبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ النِّصْفِ أَكَلَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِكُلِّ عُضْوٍ فِيهِ وَلَكِنَّهُ لَوْ قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ إرْبًا أَوْ شَيْئًا يُمْكِنُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُ سَاعَةً أَوْ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدُ بِرَمْيَةٍ أَكَلَ مَا كَانَ بَاقِيًا فِيهِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي بَانَ مِنْهُ وَفِيهِ الْحَيَاةُ الَّتِي يَبْقَى بَعْدَهَا لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ مِنْ حَيٍّ وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ أَوْ لَمْ تُدْرَكْ وَلَوْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ أَكَلَهُمَا مَعًا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ضَرَبَهُ فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ قَطَعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَكَانَ الْأَقَلُّ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أَكَلَ الَّذِي يَلِي الرَّأْسَ وَلَمْ يَأْكُلْ الَّذِي يَلِي الْعَجُزَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الضَّرْبَةُ الَّتِي مَاتَ مِنْهَا ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَتْ ذَكَاةً لِكُلِّهِ وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ دُونَ صَاحِبِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ حُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخْذُهُ ذَكَاتُهُ لاَ ذَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَوْ ذَكَّاهُ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لاََنْ يَسْتَعْجِلَ مَوْتَهُ مَا كَرِهْته وَسَوَاءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ لاَ ذَكَاةَ لَهُ لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ فِي نَفْسِهِ فَلاَ يُبَالِي مِنْ أَخْذِهِ وَسَوَاءٌ مَا كَانَ مِنْهُ يَمُوتُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَمَا كَانَ يَعِيشُ إذَا كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْمَاءِ وَفِيهِ أَكْثَرُ عَيْشِهِ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَسَوَاءٌ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ وَمَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَقَدْ خَالَفْنَا بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ فَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ مَيِّتًا وَمَا أَخَذَهُ الْإِنْسَانُ مَيِّتًا قَبْلَ أَنْ يَطْفُوَ فَإِذَا طَفَا فَلاَ خَيْرَ فِيهِ وَلاَ أَدْرِي أَيَّ وَجْهٍ لِكَرَاهِيَةِ الطَّافِي وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَكْلِ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ مَيِّتًا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى جَابِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَرِهَ الطَّافِي فَأَتْبَعَنَا فِيهِ الْأَثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْنَا لَوْ كُنْتَ تَتْبَعُ الْآثَارَ أَوْ السُّنَنَ حِينَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ مِنْهَا بِالِاتِّبَاعِ حَمِدْنَاك وَلَكِنَّك تَتْرُكُهَا ثَابِتَةً لاَ مُخَالِفَ لَهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَتَأْخُذُ مَا زَعَمْت بِرِوَايَةٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ الطَّافِيَ وَقَدْ أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ زَعَمْتَ الْقِيَاسَ وَزَعَمْنَا السُّنَّةَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ سُنَّةٌ فَقَالَ الْوَاحِدُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً مَعَهُ الْقِيَاسُ وَعَدَدٌ مِنْهُمْ قَوْلاً يُخَالِفُ كَانَ عَلَيْنَا وَعَلَيْك اتِّبَاعُ الْقَوْلِ الَّذِي يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وَقَدْ تَرَكْته فِي هَذَا وَمَعَهُ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ، وَذَكَرَ أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكًا طَافِيًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْوَحْشِ وَكَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْهُ شَيْءٌ قَدْ مَلَكُوهُ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الظِّبَاءِ وَالْأَرْوَى وَمَا أَشْبَهَهُ وَالْقَمَارِيِّ وَالدَّبَّاسِيِّ وَالْحَجَلِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَكُلُّ مَا صَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ هَذَا بِأَنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَعْرِفْ لَهُ صَاحِبًا فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ مَلَكَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ بَقِيَ فِي يَدَيْهِ فَادَّعَاهُ مُدَّعٍ فَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَتَهُ وَالْحُكْمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِمَّا لاَ أَصْلَ لَهُ فِي الْوَحْشِ مِثْلُ الْحَمَامِ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ فَهُوَ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ فِي الْجَبَلِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ فَرَّخَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَفْرَاخَهُ لِمَالِكِ أُمَّهَاتِهِ كَمَا لَوْ أَصَابَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ مُبَاحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا لِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلَّا لِمَالِكٍ وَهَذَا عِنْدَنَا كَمَا وَصَفْت فَإِنْ كَانَ بَلَدٌ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِغَيْرِ مَالِكٍ فَهُوَ كَمَا وَصَفْت مِنْ الْحَجَلِ وَالْقَطَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ بُرْجَانِ فَتَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامِ هَذَا إلَى بُرْجِ هَذَا فَلاَزِمٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا يَرُدُّ ضَوَالَّ الْإِبِلِ إذَا أَوَتْ إلَى إبِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا إلَّا بِادِّعَاءِ صَاحِبِهَا لَهَا كَانَ الْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا ادَّعَى مَا لَمْ يَعْرِفُهُ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَالْحُكْمُ أَنْ لاَ يُجْبَرَ عَلَى تَصْدِيقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا وَلاَ نُحِبُّ لَهُ حَبْسَ شَيْءٍ يَشُكُّ فِيهِ وَنَرَى لَهُ إعْطَاءَهُ مَا عَرَفَ وَتَأَخِّي مَا لَمْ يَعْرِفْ وَاسْتِحْلاَلَ صَاحِبِهِ فِيمَا جَهِلَ، وَالْجَوَابُ فِي الْحَمَامِ مِثْلُهُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ سَاعَةً ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ سَاعَةِ انْفَلَتَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ أَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَوْ يَكُونُ حِينَ زَايَلَ يَدًا، لاَ يَمْلِكُهُ فَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَأَمَّا يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ قَرِيبًا وَلاَ يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ بَعِيدًا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ. وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ مُقَلَّدًا أَوْ مُقَرَّطًا أَوْ مَوْسُومًا أَوْ بِهِ عَلاَمَةٌ لاَ يُحْدِثُهَا إلَّا النَّاسُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمَا تَحِلُّ بِهِ ضَالَّةُ الْغَنَمِ وَذَلِكَ أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ لاَ تُغْنِي عَنْ نَفْسِهَا قَدْ تَحِلُّ بِالْأَرْضِ الْمُهْلَكَةِ وَيَغْرَمُهَا مَنْ أَخَذَهَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْوَحْشُ كُلُّهُ فِي مَعْنَى الْإِبِلِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا». فَقُلْنَا كُلُّ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا بِنَفْسِهِ يَعِيشُ بِغَيْرِ رَاعِيهِ كَمَا يَعِيشُ لِلْبَعِيرِ فَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ وَالْوَحْشُ كُلُّهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ وَبَقَرَةُ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءُ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ. قَالَ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْآثَارُ ثُمَّ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ يُجْزِي الْمُحْرِمَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْءٌ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُجْزِي مَا كَانَ لَحْمُهُ مَأْكُولاً مِنْهُ وَالْبَازِي وَالصَّوَائِدُ كُلُّهَا لاَ تُؤْكَلُ لُحُومُهَا كَمَا لاَ تُؤْكَلُ لُحُومُ الْغِرْبَانِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ بَازًا لِإِنْسَانٍ مُعَلَّمًا ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَقْتُلُهُ بِهَا مُعَلَّمًا كَمَا يَقْتُلُ لَهُ الْعَبْدَ الْخَبَّازَ أَوْ الصَّبَّاغَ أَوْ الْكَاتِبَ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ فِي حَالِهِ الَّتِي قَتَلَهُ فِيهَا وَيَقْتُلُ لَهُ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ وَالْبِرْذَوْنَ الْمَاشِيَ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي قَتَلَهُ فِيهَا وَلاَ فِدْيَةَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ وَلَوْ قَتَلَ لَهُ ظَبْيًا كَانَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَقِيمَتُهُ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ لِصَاحِبِهِ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ شَاةٍ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ ضَارٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَقِيمَتُهُ بَيْعُ ذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لاَ يَكُونُ إلَّا مَرْدُودًا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ كَمَا يَكُونُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا لاَ يَحِلُّ ثَمَنُهُ بِحَالٍ مَرْدُودًا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَا أَوْ مَا قَالَ الْمَشْرِقِيُّونَ بِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ ثَمَنُ الشَّاةِ فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ أَصْلَهُ مُحَرَّمٌ يَرُدُّهُ إنْ قَرُبَ وَلاَ يَرُدُّهُ إنْ بَعُدَ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَلاَ يُعْذَرُ بِهِ وَلَوْ جَازَ هَذَا لِأَحَدٍ بِلاَ خَبَرٍ يَلْزَمُ جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا بَعُدَ وَلاَ يَرُدُّهُ إذَا قَرُبَ فَإِنْ قَالَ اسْتَحْسَنْت فِي هَذَا؟ قِيلَ لَهُ وَنَحْنُ نَسْتَحْسِنُ مَا اسْتَقْبَحْت وَنَسْتَقْبِحُ مَا اسْتَحْسَنْت وَلاَ يَحْرُمُ بَيْعُ حَيٍّ مِنْ دَابَّةٍ وَلاَ طَيْرٍ وَلاَ نَجَاسَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمَا نَجِسَانِ حَيَّيْنِ وَمَيِّتَيْنِ وَلاَ يَحِلُّ لَهُمَا ثَمَنٌ بِحَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ قَتَلَ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ الْحَرَسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِهِ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَنٌ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا وَأَنَا إذَا أَغْرَمْت قَاتِلَهُ ثَمَنَهُ فَقَدْ جَعَلْت لَهُ ثَمَنًا حَيًّا وَذَلِكَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَنٌ فِي إحْدَى حَالَتَيْهِ كَانَ ثَمَنُهُ فِي الْحَيَاةِ مَبِيعًا حِينَ يَقْتَنِيهِ الْمُشْتَرِي لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ أُجَوِّزُ مِنْهُ حِينَ يَكُونُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لَك عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَقٌّ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ ثُمَّ قضاكه مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ تَعْلَمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَلاَلُهُ وَحَرَامُهُ فِيمَا قضاكه أَوْ وَهَبَ لَك أَوْ أَطْعَمَك كَمَا لَوْ كَانَ لَك عَلَى مُسْلِمٍ حَقٌّ فَأَعْطَاك مِنْ مَالٍ غَصَبَهُ أَوْ رِبًا أَوْ بَيْعٍ حَرَامٍ لَمْ يَحِلَّ لَك أَخْذُهُ وَإِذَا غَابَ عَنْك مَعْنَاهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَكَانَ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَطْعَمَك أَوْ وَهَبَ لَك أَوْ قَضَاك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ وَسِعَك أَنْ تَأْخُذَهُ عَلَى أَنَّهُ حَلاَلٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْوَرَعُ أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنْهُ وَلاَ يَعْدُو مَا أَعْطَاك نَصْرَانِيٌّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِحَقٍّ لَك أَوْ تَطَوُّعٍ مِنْهُ عَلَيْك أَنْ يَكُونَ حَلاَلاً لَك لِأَنَّهُ حَلاَلٌ لَهُ إذَا كَانَ يَسْتَحِلُّهُ مِنْ أَصْلِ دِينِهِ أَوْ يَكُونُ حَرَامًا عَلَيْك بِاخْتِلاَفِ حُكْمِك وَحُكْمِهِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَلِكَ تَطَوُّعًا أَوْ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ حَلاَلاً فَحَلاَلُ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَحَرَامُهُ عَلَيْهِمْ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَثَمَنُهُمَا مُحَرَّمَانِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ كَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لاَ تَقُولُ إنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَلاَلٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْتَ لاَ تَمْنَعُهُمْ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَالتَّبَايُعِ بِهِ؟ قِيلَ: قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهَا لَهُمْ حَلاَلٌ وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَيْهَا؟ قُلْت: نَعَمْ، وَعَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لَنَا أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَاسْتِحْلاَلِهِمْ شُرْبَهَا وَتَرْكِهِمْ دِينَ الْحَقِّ بِأَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ قُوَّةً لِأَهْلِ دِينِهِ وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِمَةٌ لاَ مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهَا وَلاَ عُذْرَ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَكُلُّ مَا صَادَهُ حَلاَلٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّيْدِ كُلِّهِ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُرْمَةٌ يَمْنَعُ بِهَا نَفْسَهُ إنَّمَا يُمْنَعُ بِحُرْمَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، مِنْ بَلَدٍ أَوْ إحْرَامِ مُحْرِمٍ أَوْ بِحُرْمَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ مَالِكٌ، فَأَمَّا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَحَلَّ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلاَلِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهِيَ حَلاَلٌ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَلاَ أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ صِنْفَانِ وَقَدْ أُبِيحَتْ مُطْلَقَةً؟ قِيلَ قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وَهُوَ لاَ يَدَعُهُ لِلشِّرْكِ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ أَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً فَقَالَ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لاَ يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ وَلاَ جَزَاءِ صَيْدِ وَلاَ فِدْيَةٍ فَلِمَا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ، لاَ أَنَّهَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ نَجْعَلْ عَلَيْهِ الْكُلَّ إنَّمَا جَعَلْنَا عَلَيْهِ الْبَعْضَ الَّذِي أَعْطَى فَهَكَذَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلاَلَةِ عَلَى شَبِيهِ مَا قُلْنَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْفُلْجَةِ مَوْلَى عُمَرَ أَوْ ابْنِ سَعْدٍ الْفُلْجَةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لاَ تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهُمَا ذَهَبَا إلَى أَنَّهُمْ لاَ يَضْبِطُونَ مَوْضِعَ الدِّينِ فَيَعْقِلُونَ كَيْفَ الذَّبَائِحُ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ الَّذِينَ أُوتُوهُ لاَ مَنْ دَانَ بِهِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبِهَذَا نَقُولُ لاَ تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَتَأَوَّلَ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وَهُوَ لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله تعالى عنهما أَوْلَى وَمَعَهُ الْمَعْقُولُ فَأَمَّا {مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فَمَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ حُكْمِهِمْ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي صَيْدِهِمْ مَنْ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ أُكِلَ صَيْدُهُ وَمَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ إلَّا بِأَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لاَ خَيْرَ فِي ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحُجَّةُ فِي تَرْكِ ذَبَائِحِهِمْ؟ فَمَا يَجْمَعُهُمْ مِنْ الشِّرْكِ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ قُلْنَا وَمِنْ الْمَجُوسِ وَلاَ نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ. وَمَعْنَى الذَّبَائِحِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْجِزْيَةِ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ مِنْ أَثَرٍ يُفْزَعُ إلَيْهِ؟ فَنَعَمْ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلاَ تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى ثُمَّ لَمْ أَكْتُبْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَحَدِيثُ ثَوْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؟ قِيلَ ثَوْرٌ، رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ثَوْرٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى الَّذِي رَوَاهُ عِكْرِمَةُ؟ فَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَمَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ غَيْرُ مُثَرِّدٍ ذُكِّيَ بِهِ غَيْرِ الظُّفُرِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ لاَ تَحِلُّ الذَّكَاةُ بِهِمَا لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّكَاةِ بِهِمَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فِي الْمُسْلِمِ يَصِيدُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ الْمُعَلَّمِ يُؤْكَلُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّيْدَ قَدْ جَمَعَ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحِلُّ بِهِمَا الصَّيْدُ وَهُمَا أَنَّ الصَّائِدَ الْمُرْسِلَ هُوَ الَّذِي تَجُوزُ ذَكَاتُهُ وَأَنَّهُ قَدْ ذَكَّى بِمَا تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ وَقَدْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ يَحِلُّ بِهِمَا الصَّيْدُ وَسَوَاءٌ تَعْلِيمُ الْمَجُوسِيِّ وَتَعْلِيمُ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلْبِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَتَأَدَّبَ بِالْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ فَإِذَا تَأَدَّبَ بِهِ فَالْحُكْمُ حُكْمُ الْمُرْسِلِ لاَ حُكْمُ الْكَلْبِ وَكَذَلِكَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ يُرْسِلُهُ الْمَجُوسِيُّ فَيَقْتُلُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أَدَاةٌ مِنْ الْأَدَاةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَّ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي يَحِلُّ أَكْلُهَا صِنْفَانِ صِنْفٌ لاَ يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يُذَكِّيَهُ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ وَالصَّيْدُ وَالرَّمْيُ ذَكَاةٌ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَصِنْفٌ يَحِلُّ بِلاَ ذَكَاةٍ مَيِّتُهُ وَمَقْتُولُهُ إنْ شَاءَ وَبِغَيْرِ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ بِلاَ ذَكَاةٍ حَلَّ مَيِّتًا فَأَيُّ حَالٍ وَجَدْتُهُمَا مَيِّتًا أُكِلَ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَالْحُوتُ كَانَ أَوْلَى أَنْ لاَ يَحِلَّ مَيِّتًا لِأَنَّ ذَكَاتَهُ أَمْكَنُ مِنْ ذَكَاةِ الْجَرَادِ فَهُوَ يَحِلُّ مَيِّتًا وَالْجَرَادَةُ تَحِلُّ مَيِّتَةً وَلاَ يَجُوزُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ فَلْيُدَلِّلْ مَنْ سَنَّ لَهُ ذَكَاةَ الْجَرَادِ أَوْ أَحَلَّ لَهُ بَعْضَهُ مَيِّتًا وَحَرَّمَ عَلَيْهِ بَعْضَهُ مَيِّتًا؟ مَا رَأَيْت الْمَيِّتَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ إلَّا الْجَرَادُ وَالْحُوتُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ أَحْسِبُهُ قَالَ- الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ والدراوردي أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: النُّونُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إذَا عَرَفْت فِي الشَّاةِ الْحَيَاةَ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ أَوْ قَبْلَهَا أُكِلَتْ وَلَيْسَ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ مَا مَاتَ قَبْلَهَا إنَّمَا يَتَحَرَّكُ بَعْدَهَا مَا كَانَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَهَا. قال: وَكُلُّ مَا عُرِفَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ بَعْدَهُ، أُكِلَتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي ذَبْحِ الْجَنِينِ إنَّمَا ذَبِيحَتُهُ تَنْظِيفٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَصْبُورَةِ الشَّاةُ، تُرْبَطُ ثُمَّ تُرْمَى بِالنَّبْلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْغُلاَمِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ يَذْبَحُ أَوْ يَصِيدُ لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلاَ صَيْدُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمُسْلِمِ يَكُونُ ابْنُهُ الصَّغِيرُ عَلَى دِينِهِ وَلاَ كَالْمُسْلِمَةِ يَكُونُ ابْنُهَا عَلَى دِينِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ حَظَّ الْإِسْلاَمِ إذَا شَرِكَ حَظَّ الْكُفْرِ فِيمَنْ لَمْ يَدْنُ كَانَ حَظُّ الْإِسْلاَمِ أَوْلَى بِهِ، وَلَيْسَ حَظُّ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَوْلَى مِنْ حَظِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَلاَ حَظُّ الْمَجُوسِيَّةِ بِأَوْلَى مِنْ حَظِّ النَّصْرَانِيَّةِ كِلاَهُمَا كُفْرٌ بِاَللَّهِ وَلَوْ ارْتَدَّ نَصْرَانِيٌّ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيٌّ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ نَسْتَتِبْهُ وَلَمْ نَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلاَمِ إلَى غَيْرِهِ قَتَلْنَاهُ إنْ لَمْ يَتُبْ فَإِذَا بَلَغَ هَذَا الْمَوْلُودُ فَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنْهُمْ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ يَقِيسُ الْإِسْلاَمَ بِالْكُفْرِ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ تَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الْإِسْلاَمُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَرْتَدُّ مِنْ نَصْرَانِيَّةٍ إلَى مَجُوسِيَّةٍ وَدَخَلَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ الْحُرِّ عَبْدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ الْعَبْدِ حُرٌّ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ فَجُعِلَ حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ حُكْمَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْمُرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلاَمِ يُقْتَلُ، وَالْإِسْلاَمُ غَيْرُ الشِّرْكِ وَلاَ يُؤْكَلُ صَيْدٌ لَمْ يَصِدْهُ مُسْلِمٌ وَلاَ كِتَابِيٌّ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَلاَ أَعْلَمُ مِنْ النَّاسِ أَحَدًا- مَجُوسِيًّا وَلاَ وَثَنِيًّا- أَشَرَّ ذَبِيحَةٍ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَيُقِرَّهُ عَلَى دِينِهِ وَيَجُوزَ لَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَرْبِيِّ أَنْ يَدَعَهُ بِلاَ قَتْلٍ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ هَذَا فِي الْمُرْتَدِّ فَيَحِلَّ دَمُهُ بِمَا يَحِلُّ بِهِ دَمُ الْمُحَارِبِ وَلاَ يَحِلُّ فِيهِ تَرْكُهُ كَمَا يَحِلُّ فِي الْمُحَارِبِ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ بِخُرُوجِهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ وَجْهَانِ: وَجْهٌ فِيمَا قُدِرَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَفِيمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ مَا نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِسِلاَحٍ بِيَدِهِ أَوْ رَمْيِهِ بِيَدِهِ فَهِيَ عَمَلُ يَدِهِ أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْجَوَارِحِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الْمُعَلَّمَاتِ الَّتِي تَأْخُذُ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ كَمَا يُصِيبُ السَّهْمُ بِفِعْلِهِ فَأَمَّا الْمُحْفِرَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاحِدًا مِنْ ذَا- كَانَ فِيهَا سِلاَحٌ يَقْتُلُ أَوْ لَمْ يَكُنْ- وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَصَبَ سَيْفًا أَوْ رُمْحًا ثُمَّ اضْطَرَّ صَيْدًا إلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَذَكَّاهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَّتْ شَاةٌ أَوْ صَيْدٌ فَاحْتَكَّتْ بِسَيْفٍ فَأَتَى عَلَى مَذْبَحِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ نَفْسَهَا لاَ قَاتِلُهَا غَيْرُهَا مِمَّنْ لَهُ الذَّبْحُ وَالصَّيْدُ وَإِذَا صَادَ رَجُلٌ حِيتَانًا وَجَرَادًا فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ نُحَرِّمْهُ إذَا أَحْلَلْته مَيِّتًا فَالتَّسْمِيَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُنَّةِ الذَّكَاةِ فَإِذَا سَقَطَتْ الذَّكَاةُ حَلَّتْ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ، فَأَمَّا مَا قُدِرَ عَلَى قَتْلِهِ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ فَلاَ ذَكَاةَ إلَّا فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ وَأَمَّا مَا هَرَبَ مِنْهُ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ فَمَا نَالَهُ بِهِ مِنْ السِّلاَحِ فَهُوَ ذَكَاتُهُ إذَا قَتَلَهُ، وَمِثْلُهُ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ فَلاَ يُقْدَرُ عَلَى مَذْبَحِهِ وَلاَ مَنْحَرِهِ فَيُضْرَبُ بِالسِّكِّينِ عَلَى أَيِّ آرَابِهِ قُدِرَ عَلَيْهِ وَيُسَمِّي وَتَكُونُ تِلْكَ ذَكَاةً لَهُ. قال: وَلَوْ حَدَّدَ الْمِعْرَاضَ حَتَّى يَمُورَ مَوَرَانَ السِّلاَحِ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ الْحُوتُ فِي بَطْنِ حُوتٍ أَوْ طَائِرٍ أَوْ سَبُعٍ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ الْحُوتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي مَيِّتٍ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَيِّتًا وَلَوْ كُنْت أُحَرِّمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَحِلَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِي بَطْنِ سَبُعٍ لِأَنَّ السَّبُعَ لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ فِي بَطْنِ طَائِرٍ إلَّا إنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ ثُمَّ مَا كَانَ لِي أَنْ أَجْعَلَ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ الطَّائِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ مِنْ الطَّائِرِ إنَّمَا تَكُونُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ ذَكَاةَ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا مَا لَمْ يُزَايِلْهَا فِي الْآدَمِيِّينَ وَالدَّوَابِّ فَأَمَّا مَا ازْدَرَدَهُ طَائِرٌ فَلَوْ ازْدَرَدَ عُصْفُورًا مَا كَانَ حَلاَلاً بِأَنْ يُذَكِّيَ الْمُزْدَرَدَ وَكَانَ عَلَى مَا وَجَدَهُ أَنْ يَطْرَحَهُ فَكَذَلِكَ مَا أَصَبْنَا فِي بَطْنِ طَائِرٍ سِوَى الْجَرَادِ وَالْحُوتِ فَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمًا كَانَ أَوْ طَائِرًا لِأَنَّهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاتُهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْهُ لاَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحُوتُ لَوْ ازْدَرَدَ شَاةً، أَكَلْنَا الْحُوتَ وَأَلْقَيْنَا الشَّاةَ لِأَنَّ الشَّاةَ غَيْرُ الْحُوتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْجَارِحَ طَائِرًا كَانَ أَوْ دَابَّةً عَلَى الصَّيْدِ فَمَضَى ثُمَّ صَرَعَهُ فَرَأَى الصَّيْدَ أَوْ لَمْ يَرَهُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَجَعَ عَنْ سُنَنِهِ وَأَخَذَ طَرِيقًا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا طَالِبٌ غَيْرُ رَاجِعٍ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَكَلَ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ رَأَى الصَّيْدَ أَوْ لَمْ يَرَهُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْإِرْسَالَ الْأَوَّلَ قَدْ انْقَضَى وَهَذَا إحْدَاثُ طَلَبٍ بَعْدَ إرْسَالٍ فَإِنْ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ بِرُجُوعِهِ فَانْزَجَرَ أَوْ فِي وَقْفَةٍ وَقَفَهَا فَاسْتَقْبَلَ أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ الصَّيْدِ فَعَادَ فِي جَرْيِهِ فَقَتَلَهُ وَأَكَلَ وَكَانَ ذَلِكَ كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ مِنْ يَدِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ فَأَثْبَتَهُ إثْبَاتًا لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَكْسُورًا أَوْ صَغِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ فَرَمَى فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلاَ يَحِلُّ هَذَا إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ فَمَا قُدِرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الرَّمْيِ وَالسِّلاَحِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةٍ، وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ إلَّا بِرَمْيٍ أَوْ بِسِلاَحٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَنُذَكِّي بِاللِّيطِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ فَإِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ جَنَاحَهُ أَوْ بَلَغَ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ الصَّيْدُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِيهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا فَرَمَاهُ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ عَلَى الرَّامِي قِيمَتُهُ بِالْحَالِ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا مَكْسُورًا أَوْ مَقْطُوعًا لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِصَيْدٍ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّى كَانَ لِلرَّامِي الْأَوَّلِ وَكَانَ عَلَى الرَّامِي الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ الرَّمْيَةُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَصَابَهُ فِيهَا وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فَأَصَابَهُ وَكَانَ مُمْتَنِعًا بِطَيَرَانٍ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ بُعْدٍ، وَإِنْ كَانَ دَابَّةً، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ حَتَّى لاَ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَمْتَنِعَ كَانَ لِلثَّانِي وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ دُونَهُ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَمَضَى مُمْتَنِعًا ثُمَّ رَمَاهُ ثَالِثٌ فَصَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ كَانَ لِلثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلاَنِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّالِثِ فَقَتَلاَهُ ضَمِنَاهُ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَخْطَأَتْهُ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ وَأَصَابَتْهُ الْأُخْرَى كَانَ الَّذِي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ ضَامِنًا وَلَوْ أَصَابَتَاهُ مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى كَانَتْ الرَّمْيَتَانِ مُسْتَوِيَتَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا قَدْ جَرَحَتَاهُ فَأَنْفَذَتْ إحْدَاهُمَا مَقَاتِلَهُ وَلَمْ تُنْفِذْهُ الْأُخْرَى كَانَا جَمِيعًا قَاتِلَيْنِ لَهُ وَكَانَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجْرَحُ الرَّجُلاَنِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا الْجُرْحَ الْخَفِيفَ وَالْآخَرُ الْجُرْحَ الثَّقِيلَ أَوْ عَدَدَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا قَاتِلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ أَتَتْ مِنْهُ عَلَى مَا لاَ يَعِيشُ مِنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ مِثْلَ أَنْ تَقْطَعَ حُلْقُومَهُ أَوْ مَرِيئَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ تَقْطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ أَوَّلاً ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ الْأُخْرَى آخِرًا فَإِنَّمَا رَمَى الْآخَرُ مَيِّتًا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِالرَّمْيَةِ جِلْدًا أَوْ لَحْمًا فَيَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ اللَّحْمِ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِلرَّامِي الَّذِي ذَكَّاهُ وَلَوْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ ذَكَاتَهُ أَوَّلاً وَالرَّمْيَةُ الَّتِي بَلَغَتْ ذَكَاتَهُ آخِرًا كَانَ لِلرَّامِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَّاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي الْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صَارَ لَهُ وَلاَ عَلَى الَّذِي ذَكَّاهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَمَى صَيْدًا مُمْتَنِعًا لَهُ رَمْيُهُ وَلَوْ كَانَ رَمَاهُ فَبَلَغَ أَنْ لاَ يَمْتَنِعَ مِثْلُهُ وَتَحَامَلَ فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ فَذَكَّاهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الَّذِي بَلَغَ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ مَا نَقَصَتْهُ الذَّكَاةُ إنْ كَانَتْ نَقَصَتْهُ شَيْئًا وَلَوْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَلَمْ يُذَكِّهِ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَمَنَعَ مِنْ صَاحِبِهِ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ لَمْ تَبْلُغْ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَكَانَ فِيهِ مَا يَتَحَامَلُ طَائِرًا أَوْ عَادِيًا فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي فَلَمْ يُدْرَ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا نَجْعَلُ الْقَاتِلَيْنِ مَعًا وَهُوَ عَلَى الذَّكَاةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ إلَى حَالٍ لاَ يُقْدَرُ فِيهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَيَكُونُ مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ. قَالَ وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ طَائِرًا يَطِيرُ فَأَصَابَهُ أَيَّ إصَابَةٍ مَا كَانَتْ أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مَا كَانَ إذَا جَرَحَتْهُ فَأَدْمَتْهُ أَوْ بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ بَعْدَمَا صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مِمَّا أُحِلَّ مِنْ الصَّيْدِ وَأَنَّهُ لاَ يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حَرَّمْنَا هَذَا خَوْفًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ قَتَلَتْهُ حَرَّمْنَا صَيْدَ الطَّيْرِ كُلَّهُ إلَّا مَا أُخِذَ مِنْهُ فَذُكِّيَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ عَنْهُ حَتَّى أُخِذَ وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا كَانَ مُتَرَدِّيًا لاَ يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى حَتَّى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَرَدَّى أَوْ تَجِدَ الرَّمْيَةَ قَدْ قَطَعَتْ رَأْسَهُ أَوْ ذَبَحَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ بِاثْنَيْنِ فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا ذَكِيًّا فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ فَتَرَدَّى فَمَرَّ بِحِجَارَةِ حَدَّادٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَتَى عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّ إلَّا بَعْدَ مَا مَاتَ وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ بِسَهْمِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أَوْ أَصَابَهُ فَأَنْفَذَهُ وَقَتَلَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ وَيَأْكُلُ كُلَّ مَا أَصَابَ إذَا قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ صَيْدٍ يَرَاهُ فَقَدْ جَمَعَ الرَّمْيَةَ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الذَّكَاةُ وَإِنْ نَوَى صَيْدًا وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ بِحَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ فَخَرَقَتْ أَوْ لَمْ تَخْرِقْ فَلاَ يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهَا أَنَّهَا غَيْرُ ذَكَاةٍ وَوَاقِذَةٍ وَأَنَّهَا إنَّمَا قَتَلَتْ بِالثِّقَلِ دُونَ الْخَرْقِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَعَانِي السِّلاَحِ الَّذِي يَكُونُ ذَكَاةً وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ فَأَصَابَ بِصَفْحِهِ فَقَتَلَ كَانَ مَوْقُوذًا لاَ يُؤْكَلُ وَلَوْ أَصَابَ بِنَصْلِهِ وَحَدِّهِ نَصْلُهُ مُحَدَّدٌ فَخَرَقَ أُكِلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ سَهْمٌ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْخَرْقِ لاَ بِالثِّقَلِ وَلَوْ رَمَى بِعَصًا أَوْ عُودٍ كَانَ مَوْقُوذًا لاَ يُؤْكَلُ وَلَوْ خَسَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْخَاسِقُ مِنْهُمَا مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السِّلاَحِ بِعَجَلَةِ السِّلاَحِ أُكِلَ وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نَظَرْت فَإِنْ كَانَ الْعُودُ أَوْ الْعَصَا خَفِيفَيْنِ كَخِفَّةِ السَّهْمِ أُكِلَتْ لِأَنَّهُمَا إذَا خَفَّا قَتَلاَ بِالْمَوْرِ وَإِنْ أَبْطَآ، وَإِنْ كَانَا أَثْقَلَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مُتَبَايِنٍ لَمْ يُؤْكَلْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أُحِبُّ الذَّكَاةَ بِالْحَدِيدِ وَأَنْ يَكُونَ مَا ذُكِّيَ بِهِ مِنْ الْحَدِيدِ مُوحِيًا أَخَفَّ عَلَى الْمُذَكَّى وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي بَالِغًا مُسْلِمًا فَقِيهًا وَمَنْ ذَكَّى مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ ذَكَاتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ ذَكَّى مِنْ صِبْيَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ذَكَّى بِهِ مِنْ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ وَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَالْمَذْبَحَ وَلَمْ يُثَرِّدْ جَازَتْ بِهِ الذَّكَاةُ إلَّا الظُّفْرُ وَالسِّنُّ فَإِنَّ النَّهْيَ جَاءَ فِيهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ ذَكَّى بِظُفْرِهِ أَوْ سِنِّهِ وَهُمَا ثَابِتَانِ فِيهِ أَوْ زَائِلاَنِ عَنْهُ أَوْ بِظُفْرِ سَبُعٍ أَوْ سِنِّهِ أَوْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الظُّفْرِ مِنْ أَظْفَارِ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ بِهِ لِنَصِّ السُّنَّةِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَمَالُ الذَّكَاةِ بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي مِنْ الذَّكَاةِ اثْنَانِ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا أَنْ يُؤْتَى بِالذَّكَاةِ عَلَى الْوَدَجَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أَتَى عَلَى الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ اسْتَوْظَفَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حَتَّى أَبَانَهُمَا وَفِيهِمَا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ لاَ فِي الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ عِرْقَانِ قَدْ يَسِيلاَنِ مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَحْيَا وَالْمَرِيءُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ طَعَامُ كُلِّ خَلْقٍ يَأْكُلُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَالْحُلْقُومُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وَإِذَا بَانَا فَلاَ حَيَاةَ تُجَاوِزُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْمَرِيءِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاةً لِأَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ تَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ تَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ فَلاَ تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا مَا يَكُونُ بَعْدَهُ حَيَاةٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا فِي اجْتِمَاعِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَذَكَاةُ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ الذَّبْحُ أَوْ النَّحْرُ وَمَوْضِعُهُمَا اللَّبَّةُ وَالْمَنْحَرُ وَالْحَلْقُ لاَ مَوْضِعَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَذَلِكَ الذَّكَاةُ فِيهِ بِمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بِأَيِّ شَيْءٍ قِسْت هَذَا؟ قِيلَ قِسْته بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَقَدْ كَتَبْت ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي الْإِنْسِيِّ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ إذَا قُدِرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَفِي الْوَحْشِيِّ بِالرَّمْيِ وَالصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ فَلَمَّا قُدِرَ عَلَى الْوَحْشِيِّ فَلَمْ يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْإِنْسِيُّ كَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يُقْدَرُ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُذَكًّى بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فِي الْإِنْسِيِّ فَامْتَنَعَ امْتِنَاعَ الْوَحْشِيِّ كَانَ مَعْقُولاً أَنَّهُ يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْوَحْشِيُّ الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لاَ أَجِدُ هَذَا فِي الْإِنْسِيِّ قِيلَ وَلاَ يَجِدُ فِي الْوَحْشِيِّ الذَّبْحَ فَإِذَا أَحَلْته إلَى الذَّبْحِ وَالْأَصْلُ الَّذِي فِي الصَّيْدِ غَيْرُ الذَّبْحِ حِينَ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فَأَحَلَّ الْإِنْسِيَّ حِينَ صَارَ إلَى الِامْتِنَاعِ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ قُلْت لاَ أُحِيلُ الْإِنْسِيَّ وَإِنْ امْتَنَعَ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ جَازَ عَلَيْك لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ لاَ أُحِيلُ الْوَحْشِيَّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ إلَى ذَكَاةِ الْإِنْسِيِّ وَأُثْبِتُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاتَهُ فِي أَيِّ حَالٍ مَا كَانَ وَلاَ أُحِيلُهُمَا عَنْ حَالِهِمَا بَلْ هَذَا لِصَاحِبِ الصَّيْدِ أَوْلَى لِأَنِّي لاَ أَعْلَمُ فِي الصَّيْدِ خَبَرًا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَأَعْلَمُ فِي الْإِنْسِيِّ يَمْتَنِعُ خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثْبُتُ بِأَنَّهُ رَأَى ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ كَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ؟ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ أَبْطَلَ الثَّابِتَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْخَبَرِ؟ قَالَ وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ صَيْدًا فَأَصَابَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أَوْ حَدِّ السِّكِّينِ فَمَارَ فِيهِ فَهُوَ كَالسَّهْمِ يُصِيبُهُ بِنَصْلِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ بِصَفْحِ السَّيْفِ أَوْ بِمِقْبَضِهِ أَوْ قَفَاهُ إنْ كَانَ ذَا قَفًا أَوْ بِنِصَابِ السِّكِّينِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ صَفْحِهِ فَانْحَرَفَ الْحَدُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُورَ فَلاَ يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ وَهَذَا كَالسَّهْمِ يَرْمِي بِهِ وَالْخَشَبَةِ وَالْخَنْجَرِ فَلاَ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيَّهمْ قَتَلَهُ. قَالَ وَإِنْ رَمَى صَيْدًا بِعَيْنِهِ بِسَيْفٍ أَوْ سَهْمٍ وَلاَ يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا يَذْبَحُ الشَّاةَ لاَ يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهَا فَيَجُوزَ لَهُ أَكْلُهَا وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ شَخْصًا يَرَاهُ يَحْسِبُهُ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا أَوْ شَجَرًا أَوْ شَيْئًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَخْطَأَ بِشَاةٍ لَهُ فَذَبَحَهَا لاَ يُرِيدُ ذَكَاتَهَا أَوْ أَخَذَهَا بِاللَّيْلِ فَحَزَّ حَلْقَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى ذَكَاتِهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً أَوْ غَيْرَهَا مَا بَلَغَ عِلْمِي أَنْ يَكُونَ ذَا مُحَرَّمًا مَا عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْنَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِ إذَا أَتَى عَلَى مَا يَكُونُ ذَكَاةً إذَا لَمْ يَنْوِ الذَّكَاةَ دَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَخَذَ شَاةً لِيَقْتُلَهَا لاَ لِيُذَكِّيَهَا فَذَبَحَهَا وَسَمَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَوْ رَمَى مَا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ لَمْ يَأْكُلْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ غَيْرِ الذَّكَاةِ وَلاَ نِيَّةَ الْمَأْكُولِ وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ شَاةٍ فَأَخْطَأَ بِغَيْرِهَا فَذَبَحَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهُ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ لِيَذْبَحَ إحْدَاهُمَا وَلاَ يَذْبَحُ الْأُخْرَى فَسَمَّى وَأَمَرَ بِالسِّكِّينِ فَذَبَحَهُمَا حَلَّ لَهُ أَكْلُ الَّتِي نَوَى ذَبْحَهَا وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الَّتِي لَمْ يَنْوِ ذَبْحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَوْلَى أَنْ يَدْخُلَ مِمَّا أَدْخَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلاَمِ وَذَلِكَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ شَاةَ غَيْرِهِ فَيُدْرِكَهَا الرَّجُلُ الْمَالِكُ لَهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لَهَا وَلاَ آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلاَ أَعْلَمُ فِي الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ وَلاَ فِي النِّيَّةِ عَمَلاً غَيْرَ الذَّكَاةِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ مَا تَفَاحَشَ حَتَّى زَعَمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ غَصَبَ سَوْطًا مِنْ رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزِّنَا وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ مَحْدُودًا وَكَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ فَالنِّيَّةُ أَوْلَى أَنْ لاَ تَكُونَ فِي الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا طَلَبَتْهُ الْكِلاَبُ أَوْ الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ فَمَاتَ وَلَمْ تَنَلْهُ فَلاَ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَأْكُلْهَا وَمَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلاَحٍ مَا كَانَ وَلَمْ يَمُرَّ فِيهِ فَلاَ يُؤْكَلُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فَيُدْمِيَ أَوْ يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ فَيَخْرِقَ أَوْ يَهْتِكَ وَمَا نَالَتْهُ الْكِلاَبُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يُؤْكَلَ حَتَّى يَخْرِقَ شَيْئًا لِأَنَّ الْجَارِحَ مَا خَرَقَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْجَوَارِحِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا جَائِزًا فَيَكُونُ فِعْلُهَا غَيْرَ فِعْلِ السِّلاَحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلاَحِ فِعْلُ الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ مَا خَرَقَ حَتَّى يُدْمِيَ وَفِعْلُهَا عَمْدُ الْقَتْلِ لاَ عَلَى أَنَّ فِي الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ ذَكَاةٍ وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا لاَزِمًا وَأُكِلَ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ مَا أَمْسَكْنَ حَلاَلاً بِالْإِطْلاَقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عَلَيْهَا لاَ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ مَا قَتَلَتْ وَإِذَا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُقِمْ فَانْفَلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كَمَا يَمْلِكُ شَاتَه أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَهُ فِي يَدَيْهِ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ كَمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ شَاتِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الشَّاةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ حِمَارَ الْإِنْسِيِّ لَوْ اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ كَانَ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلاَمِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ شَيْئًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هُوَ وَلَوْ كَانَ هَرَبَ الْوَحْشِيُّ مِنْ يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَانَ هَرَبُ الْإِنْسِيِّ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قَالَ لاَ وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا؟ قِيلَ وَهَكَذَا لاَ يَمْلِكُهَا غَيْرُ مَنْ مَلَكَهَا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ يَدِهِ وَيُسْأَلُ مَا فَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ إذَا تَقَارَبَ ذَلِكَ وَإِنْ تَبَاعَدَ كَانَ لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا تَبَاعَدَ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَإِذَا تَقَارَبَ كَانَ لِلْآخَرِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ هَلْ هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِذَا انْفَلَتَ كَانَ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ سَاعَتِهِ؟ وَهَكَذَا كُلُّ وَحْشِيٍّ فِي الْأَرْضِ مِنْ طَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ مِنْ الصَّيْدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أَوْ رَمَاهُ فَأَبَانَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كَانَتْ ذَكَاةً عَلَى مَا بَانَ وَبَقِيَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كَانَتْ الذَّكَاةُ عَلَى الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلاَ تَعْدُو الضَّرْبَةُ أَوْ الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لاَ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لاَ تَكُونُ ذَكَاةً فَلاَ يُؤْكَلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي أَبَانَ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى صَارَتْ غَيْرَ ذَكَاةٍ وَكَانَتْ الذَّكَاةُ فِي الذَّبْحِ وَلاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى الْبَدَنِ وَمَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْهُ وَلَمْ يُزَايِلْهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ مِنْهُ عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَهَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الذَّكَاةَ قَدْ أَمْكَنَتْهُ فَصَارَتْ الضَّرْبَةُ الْأُولَى غَيْرَ الذَّكَاةِ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولاً مِنْ طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ فَأَنْ يُذْبَحَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ سُنَّتُهُ وَدَلاَلَةُ الْكِتَابِ فِيهِ وَالْبَقَرُ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَحِكَايَتُهُ فَقَالَ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} إلَّا الْإِبِلَ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُنْحَرُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بُدْنَهُ، فَمَوْضِعُ النَّحْرِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ فِي اللَّبَّةِ، وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ أَسْفَلُ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّكَاةُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْحَرُ وَيُذْبَحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ فَأَيْنَ ذَبَحَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فِيهِ مَا يُجْزِيهِ إذَا وَضَعَ الذَّبْحَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذَبَحَ مَا يُنْحَرُ كَرِهْته لَهُ وَلَمْ أُحَرِّمْهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ ذَكَاةٌ كُلُّهُ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ لاَ يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَادَ عُمَرُ وَلاَ تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَمَا قُدِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَذَكَاتُهُ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لاَ يَحِلُّ بِغَيْرِهِمَا إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ أَنْ يُنَالَ بِالسِّلاَحِ حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا فَإِنْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى مَنْحَرِهِ وَلاَ مَذْبَحِهِ حَيْثُ يُذَكَّى فَطُعِنَ فِيهِ بِسِكِّينٍ أَوْ شَيْءٍ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ فَأَنْهَرَ الدَّمَ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ أُكِلَ وَهَكَذَا ذَكَاةُ مَا لاَ يُقْدَرُ عَلَيْهِ، قَدْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَطُعِنَ فِي شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْمُتَرَدِّي يُنَالُ بِشَيْءٍ مِنْ السِّلاَحِ فَلاَ يُقْدَرُ عَلَى مَذْبَحِهِ فَقَالَ: حَيْثُمَا نِلْت مِنْهُ بِالسِّلاَحِ فَكُلْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ فِي الذَّبِيحَةِ أَنْ تُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الذَّابِحُ فَقَدْ تَرَكَ مَا أَسْتَحِبُّهُ لَهُ وَلاَ يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ النَّخْعِ وَأَنْ تُعَجَّلَ الْأَنْفُسُ أَنْ تُزْهَقَ وَالنَّخْعُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يَكْسِرَ قَفَاهَا مِنْ مَوْضِعِ الذَّبْحِ لِنَخْعِهِ وَلِمَكَانِ الْكَسْرِ فِيهِ أَوْ تُضْرَبَ لِيُعَجِّلَ قَطْعَ حَرَكَتِهَا فَأَكْرَهُ هَذَا وَأَنْ يَسْلُخَهَا أَوْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْهَا وَنَفْسُهَا تَضْطَرِبُ أَوْ يَمَسُّهَا بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَبْرُدَ وَلاَ يَبْقَى فِيهَا حَرَكَةٌ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا كَرِهْت لَهُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ عَلَى الذَّكَاةِ كَانَ مُسِيئًا وَلَمْ يُحَرِّمْهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَكِيَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبِيحَةً فَسَبَقَتْهُ يَدُهُ فَأَبَانَ رَأْسَهَا، أَكَلَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى بِالذَّكَاةِ قَبْلَ قَطْعِ الرَّأْسِ وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا أَوْ أَحَدِ صَفْحَتَيْ عُنُقِهَا ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى مَاتَتْ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى يَعْلَمَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا حَيِيَتْ بَعْدَ قَطْعِ الْقَفَا أَوْ أَحَدِ صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ حَتَّى وَصَلَ بِالْمُدْيَةِ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَقَطَعَهُمَا وَهِيَ حَيَّةٌ أَكَلَ وَكَانَ مُسِيئًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا كَانَ مُسِيئًا وَكَانَتْ حَلاَلاً وَلاَ يَضُرُّهُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعًا، أَقَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ لَمْ يَقْطَعْهُ، إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى قَطْعِهِمَا وَفِيهَا الْحَيَاةُ كَانَتْ ذَكِيَّةً وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ وَفِيهَا الْحَيَاةُ كَانَتْ مَيْتَةً وَإِذَا غَابَ ذَلِكَ عَنِّي وَقَدْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا جَعَلْت الْحُكْمَ عَلَى الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ إذَا لَمْ أَسْتَيْقِنْ بِحَيَاةٍ بَعْدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِاسْمِ اللَّهِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ وَلاَ أَكْرَهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بَلْ أُحِبُّهُ لَهُ وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يُكْثِرَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْحَالاَتِ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةَ عَلَيْهِ إيمَانٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَةٌ لَهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَهَا، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاتَّبَعَهُ فَوَجَدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَاجِدًا فَوَقَفَ يَنْتَظِرُهُ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ قَبَضَ رُوحَك فِي سُجُودِك فَقَالَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنِّي لَمَّا كُنْت حَيْثُ رَأَيْت لَقِيَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ عَلَيَّ خَطِئَ بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ». قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَإِنْ ذَا لَعَجَبٌ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْنَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا وَلاَ نَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ صَلاَتُهُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَلَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُونَ الشَّيْطَانُ أَدْخَلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ النَّهْيَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ لِيَمْنَعَهُمْ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ فِي حَالٍ لِمَعْنًى يَعْرِضُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا إيمَانًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا لَهُ وَتَقَرُّبًا إلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَّبَنَا بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنْهُ زُلْفَى وَالذِّكْرُ عَلَى الذَّبَائِحِ كُلِّهَا سَوَاءٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا نُسُكًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَهُ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَإِنْ ضَحَّى بِهَا عَنْ أَحَدٍ فَقَالَ تَقَبَّلْ مِنْ فُلاَنٍ فَلاَ بَأْسَ هَذَا دُعَاءٌ لَهُ لاَ يُكْرَهُ فِي حَالٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. قَالَ الرَّبِيعُ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ إذَا حَضَرَ الْجَزَّارُ لِيَذْبَحَ الضَّحِيَّةَ حَضَرَهُ حَتَّى يَذْبَحَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَذَبْحُ كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذَبْحِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ حَلاَلِ الذَّبِيحَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ نُسُكِهِ فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَاطِمَةَ أَوْ غَيْرِهَا: «احْضَرِي ذَبْحَ نَسِيكَتِك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ذَبَحَ النَّسِيكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا أَجْزَأَتْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ بَعْضَهُ غَيْرُهُ وَأَهْدَى هَدْيًا فَإِنَّمَا نَحَرَهُ مَنْ أَهْدَاهُ مَعَهُ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شَيْئًا مِنْ النَّسَائِكِ مُشْرِكٌ لاََنْ يَكُونَ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ ذَبَحَهَا مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَتْ مَعَ كَرَاهَتِي لِمَا وَصَفْت وَنِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا أَطَقْنَ الذَّبْحَ كَرِجَالِهِمْ وَمَا ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ أَوْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْهُ شَحْمًا أَوْ حَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فَلاَ بَأْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ فَكُلُّ مَا ذَبَحُوا لَنَا فَفِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُحَرِّمُونَ فَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ لَحَرُمَ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لَنَا وَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّ لَنَا طَعَامُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَسْتَحِلُّونَ كَانُوا قَدْ يَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا يَعُدُّونَهُ لَهُمْ طَعَامًا، فَكَانَ يَلْزَمُنَا لَوْ ذَهَبْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ الْحَلاَلِ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَعْنَى الآيَةِ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَحَلَّ فِيهِ فَهُوَ حَلاَلٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَمَا حَرَّمَ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ مَا خَالَفَهُ مِنْ كُلِّ دِينٍ أَدْرَكَهُ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ صَاغِرُونَ غَيْرَ عَاذِرٍ لَهُمْ بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلاَ مُحَرِّمٍ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلاَ مُحِلٍّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ ذِمَّةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلاَ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلاَ أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تُجْزِي عَنْ هَذَيْنِ لَوْ صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلاَفِ الصَّلاَةِ وَالذَّكَاةِ، الصَّلاَةُ أَعْمَالٌ لاَ تُجْزِي إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَلاَ تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وَفِي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ، وَهُمَا مِمَّا لاَ يَعْقِلُ ذَلِكَ وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عَلَيْهَا فَإِذَا أَتَيَا عَلَيْهَا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فِيهَا أَسْوَأَ حَالاً مِنْ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ حَائِضٍ أَوْ صَغِيرَةٍ لاَ تَعْقِلُ أَوْ مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَكُلُّ هَؤُلاَءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ، فَقُلْت بِهَذَا الْمَعْنَى: إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِتْيَانُ عَلَى الذَّكَاةِ.
|